صور| الغروري.. أصل صناعة الفخار بالفيوم والأولى عالميا في التصدير
في منطقة الغروري؛ تحول الطين إلي أشكال فنية، مصنوعة من الطراز الأول، ليعطي شكلاً تراثيًا مبهجًا، بصناعات فخارية رائعة غزت العالم، لتصبح هذه المنطقة الأشهر والأولى في صناعة الفخار، وأيضًا في التصدير للدول الأوروبية والعربية.
“الغروري”.. تقع هذه العزبة الصغيرة علي بعد 40 كيلو متر من محافظة الفيوم، وتتبع قرية فانوس بمركز طامية، وهي الأولى في صناعة الفخار على مستوى العالم.
يستيقظ رجال الفخار بالغروري منذ الصباح الباكر كل يوم، حيث يتوزعون بين ورش مختلفة، منهم من يصنع الفخار من الطين، وآخرون يتحملون لهيب الحريق داخل الأفران الخشبية، ورجال يحملون المنتجات الثقيلة فوق ظهورهم من أعلى جبال الأفران حتي رصها في ورش العزبة.
وحسب الوحدة المحلية بقرية فانوس، يبلغ التعداد السكاني للقرية 35ألف نسمة، بينما يبلغ التعداد السكاني لعزبة الغروري التابعة للقرية 1500مواطن، وتبلغ مساحة قرية فانوس 14،500ألف فدان.
عدسة ” ولاد البلد” تجولت بعزبة الغروري والتقت بأصحاب ورش صناعة الفخار لتسليط الضوء على أهم الحرف اليدوية في التقرير التالي:
عن مراحل تصنيع الفخار يشرح هاشم سيد – صاحب ورشة فخار بالغروري، قائلاً: نصنع من الفخار جميع الأشكال والأحجام، وعن خامات الفخار، نستخدم الطمي النيلي مع الطين الأسواني ونضعهما معا في حوض مائي ويتم خلطهما تحت أشعة الشمس في الخلاء، ثم يتم تقليبهما وتصفيتهما من الماء والعفش والحصى بواسطة متخصص تصافي، حتي نحصل علي الطين الخام، ليكون قادرًا علي التشكيل، ثم نعرض قطع الطين علي الهواء لتتم عملية التجفيف لمدة زمنية من 10-15يوما.
معلم علي الحجر
ويتابع سيد: “معلم علي الحجر”، هي الخطوة اليدوية التي تلي الخطوات السابقة، وهي أخذ قطع الطين الجافة “للمعلم”، حتي يجهزها للدوس بواسطة يداه ويشكلها حسب رغبته الفنية وحسب الحجم المطلوب.
ثم تدخل في مرحلة التصنيع علي ” الدولاب “، أكثر من مرة، لتصميم أشكال الفخار ثم عرض الأشكال تحت أشعة الشمس حتى تجف، ثم يلحق بمرحلة الحرق داخل الأفران الخشبية، وهي آخر مرحلة لصناعة الفخار حتي يصبح أكثر صلابة.
ويضيف سيد أن من أهم مميزات صناع فخار الغروري، أنهم استطاعوا إنتاج أكبر حجم من منتجات الفخار في العالم، كإنتاج أول فخارية وصل حجمها إلي 3 أمتار ونصف، وحتى الآن لم يستطع أي صانع فخار آخر فعلها.
ويؤكد صانع الفخار أنه سيشارك في مهرجان تونس للفخار هذا العام باسم القرية لأول مرة حتى تصبح أكثر شهرة.
التسويق
هاشم سيد يقول، إن مهرجان تونس حدث هام بالنسبة لعرض منتجات الفخار الخاصة بالغروري من جانب التسويق والتعريف بمنتجات العزبة، وفرصة لمناقشة الأمور والمتطلبات وآليات التطوير مع المسئولين على هامش المهرجان.
وبالفعل حصلنا علي موافقات من المسئولين في الموسم الماضي من المهرجان وفي طريقنا للتنفيذ هذا العام من خلال المحافظة والوحدة المحلية بفانوس.. يقول سيد.
تصافي الطين
عمر عبدالله طه، صاحب الـ 16سنة، يعمل في صناعة الفخار منذ كان 8سنوات، حيث لم يستكمل مراحل تعليمه مكتفيا بالصف الأول الإعدادي، ليبدأ في تطوير نفسه على صناعة الفخار بعد أن اكتسب الفن جيدًا من أشقائه منذ الصغر.
يقول عمر: يوميتي كانت 40جنيها ثم تطورت وأصبحت 100جنيه، وقد تخصصت في تصفية الطين من الحوض المائي، ففي هذه الخطوة أقوم بملء الحوض بالماء وأضع فيه الطين بالحصي، ثم أصفي 100غلا في مدة زمنية لا تتجازو 3ساعات وهكذا يستمر يومي في تصفية الطين حسب المطلوب.
وهنا يأتي دور رجال الفخار وهم يحملون المنتجات الفخارية الثقيلة، فوق ظهورهم من الأفران الخشبية حتي رصها داخل الورش.
في داخل أكبر فرن لحرق الفخار بعزبة الغروري التقينا بـ عيد علي – صاحب أصعب مرحلة في إنتاج الفخار، وهي الحريق، حيث يقف منتبهًا داخل الفرن الخشبي لمتابعة مرحلة الحرق.
يقول عيد: أعمل في هذه المهنة منذ 40 عاما، في برودة الشتاء ولهيب الصيف، فأنا أعمل داخل فرن حريق الفخار، حتى تعودت علي المهنة ولهيبها.
مراحل الحرق
وعن مراحل حرق الفخار يتابع علي: هي آخر مرحلة لصناعة الفخار، وأستقبل الأشكال الفخارية من ورش الفخار بعد تجفيفها، لتجهيز عملية الحريق ثم أضعها في الفرن الخشبي لمدة من 2-3 أيام حتى تنتهي عملية الحرق.
أصل الصنعة
“نطلع تراب نجيب منه دولارات، هنا في الغروري بنصمم الشغل الكبير اللي مش بيتعمل في أي مكان اللي أساسه كوم أوشيم بنصمم أكبر أحجام الفخار”.. كلمات هادئة يعبر بها أحمد الأباليشي، 70 عاما، صاحب أول ورشة فخار بالغروري والفيوم ويطلق عليه “شيخ فخارين الغروري”.
يقول الأباليشي: بدأت أتعلم صناعة الفخارعندما كان عمري 6سنوات، حتي تدرجت السنوات وطورت الصنعة.
ويتابع: كانت ورشتي الأولى في المدينة الصناعية بالفيوم، ثم حصلنا علي قرار موافقة من إبراهيم شحاتة، محافظ الفيوم الأسبق، لفتح ورشة فخار في الغروري، حتى نصبح بعيدًا عن زحام الكتلة السكانية.
ويضيف أننا انتقلنا إلي الغروري وأخذنا أول مكان لصناعة الفخار في العزبة، وتوارثناه أبًا عن جد، فهي مهنه متوراثة عبر الأجيال بيننا، وهي صنعة يرجع تاريخها لأجدادنا منذ 300سنة.
ويكمل: فتحت ورشة للفخار خاصة بي بالغروري منذ 24 عاما، وكان وقتها لا يوجد ساكن واحد في العزبة، وكنت صاحب الصنعة الوحيد فيها، ثم حصل أصحاب الورش الأخرى على موافقة إلحاق نقل لورشتي بالغروري، ثم تم فتح أكثر من ورشة وتطورت الصنعة.
ويتابع شيخ الفخارين بأن عزبة الغروري الوحيدة وصاحبة الإنفراد الأول في صناعة الفخار على مستوى العالم، ونسوق المنتجات الفخارية لكل الفئات كما نصدر للخارج.
ويضيف الأباليشي أننا “طلبنا إمكانيات وسألنا مليون مرة لكن محدش سأل فينا وبعد ماصرفوا فلوس وقالولنا هنطورلكم العزبة محدش سأل، نادينا بالتطوير والبيئة بتطاردنا، والأهالي بتحاربنا وشكونا في البيئة، مش عاوزينا نقيد الأفران ليه عاوزين الصنعة تنقرض اللي شقينا عشانها سنيين، الصنايعية هيروحوا فين، دي فيها 5آلاف نفس بتاكل عيش”.
ويكمل شيخ الفخارين، بأننا طالبنا المسئولين بالفيوم، بإدخال الغاز إلي العزبة حتى نستخدم أفران حرق بالغاز، وحصلنا على وعود فقط ولم يحدث أي جديد.
ويضيف الأباليشي أنه منذ سنوات صدرنا لإيطاليا وهولندا وبلجيكا، وهذه الدول امتنعت الأن عن التصدير بسبب نقص الإمكانيات في الغروري، ولقلة سعف منتجاتهم، بسبب عدم وجود آليات حديثة.
وحسب شيخ الفخارين، تضم عزبة الغروري حوالي 20 ورشة للفخار، وكل ورشة مكونة من حوالي 40 عاملا ، ومساحتها تسع لفتح ورش أخرى.
ويلفت الأباليشي إلى أنه إذا تم توفير الغاز بالعزبة سنزيد من أعداد العمالة والإنتاج، ونطور من الصنعة، دون محاربة الأهالي، وتشغيل عدد من البطالة، “وسنضرب العالم كله فخار” .
ويعبر قائلًا: “عاوزين نطور فن الفخار، لكن محتاجين معدات وآليات طلبنا من المحافظة توفير طاحونة وخلاط وإدخال الغاز، وتطوير للعزبة، ومنتظرين حتي الآن”.
أقدم الورش
جابررجب جودة، 65سنة، من خامس جيل لصناعة الفخار علي مستوي العالم، ومن أقدم ورش فخار الغروري، يقول: صنعة الفخار صنعة فنية في جميع الدول العربية ولكن في الغروري نصنعه بشكل حديث ومختلف رغم بساطة الإمكانيات.
ويضيف: نحتاج لتطوير الصناعة، فنحن مستعدون أن ندفع 500جنيه ثمن تشغيل أفران الخشب بالغاز، مشيرًا إلى أن أسعار الأخشاب ارتفعت وتسبب أدخنة مضرة.
وبصوت يخفق له القلب ويثير الدموع يعبر جودة قائلا “مش محتاجين إلا دخول الغاز وأدوات بسيطة مش غالية عشان نقدر نكمل، عاوزين ماكينة دوس وتصافي ياريت المسئولين حتي يجبوها ونقسطها لهم شهريًا أو سنويًا أحنا تعبانين مديًا بس هنسدد، ليه المسئولين ساعدوا صناع فخار قرية النزلة في كل شئ وساعدوا قرية تونس ولم يساعدونا وإحنا في أشد الاحتياج للمساعدة إحنا بنقول يارب أنه يحضر لنا أهل الخير”.
ويتابع جودة: أصنع أشكالا عديدة من الفخار للدول العربية وللسياح ولأهالي الفيوم، مثل، “الفازات” ، و”مناقد الشتاء”، كما أصنع ” الزير”، وكل الأشياء الفخارية التي لا يتسغني عنها الفلاحين كـ “القلة ” و ” البلاص “، وكان من أهم زبائني خواجة إيطالي كانت يشتري مني منتجات كثيرة، ولكن التصدير توقف حاليًا بسبب ضعف الإمكانيات وغلق بعض الورش بالغروري بسبب عدم توافر الآليات الحديثة.
وفي لقاء مع نسرين سعد إسماعيل، رئيس الوحدة المحلية بقرية فانوس بمركز طامية، تقول إن عزبة الغروري التابعة لقرية فانوس تشتهر بصناعة الفخار كصناعة آثرية قديمة تعطي عائدًا جيدًا، وإذا حافظنا علي تطوير هذه الصناعة فلن تندثر أبدًا.
معوقات
وتتابع: يقابل أصحاب مهنة الفخار بالعزبة بعض المعوقات أثناء عملهم وهم متخوفون من أن هذه المعوقات تتسبب في اختفاء المهنه وأول هذه المعوقات، أفران حرق الفخار من الخشب والوقود وينتج عنها أدخنة وأبخرة تسبب ضرر للعزب المجاورة لها، فنطالب بتطوير هذه الأفران حتي تكون بالغاز.
تطوير
وتضيف: كما نطالب بتطوير ورش الفخار في شكل مباني حتي تصبح ورش صالحة تتم فيها الصناعة، وأيضًا تطوير المعدات اليدوية كالأدوس والطحون توفيرًا للوقت والجهد، حتي نعود للتصدير أفضل من الماضي.
الثورة
وتشير رئيس الوحدة المحلية، إلي أن قبل ثورة 25يناير، صدرت عزبة الغروري منتجات من الفخار لجميع الدول الأوروبية، وكل محافظات الجمهورية تحصل علي منتجات الفخار من الغروري في القري السياحية والفنادق ونتمني نصبح الأفضل في التصدير الفترة المقبلة.
وأكدت رئيس الوحدة المحلية، أنهم سيشاركون في مهرجان تونس الثامن للفخارالمقبل، كما أوضحت أن قرية فانوس دائمًا تشارك في جميع المهرجانات ولكن بغير أسمها، ولأول مرة هذا الموسم سنشارك في المهرجان بأسم القرية ومنتجاتها الفخارية.
2 تعليقات