صور| أبراج الحمام.. عمارة فرعونية تُحلق في سماء أسيوط
تصوير: أحمد دريم
“أنا قلبي برج حمام هج الحمام منه، ياللي عينيك كلام ليه الضلوع أنواع”، واحدة من ضمن الأغاني التي أمتعنا بها محمد منير، وفي أكثر من أغنية تعبر عن قدم وأهمية أبراج الحمام التي امتدت من المباني الفرعونية القديمة وأصبحت بعض القرى المصرية تشتهر بها.
مباني فرعونية
ذكر كتاب “حضارة العرب” للكاتب غوستاف لوبون، الصادر عن وكالة الصحافة العربية “ناشرون” وصفه للمساكن، بأن المساكن كانت تنقسم إلى أقسام منها بيوت للسكن وحظائر للأنعام وأبراج للحمام، وأن المنازل العربية وأبراج الحمام في مصر تمُت إلى المباني الفرعونية القديمة بصلة القرابة، وكانت تتمثل أبراج الحمام المصرية الكبيرة من بعيد، كبعض البيوت الأوروبية وما يحيط بها من المرافق أطلالا لبعض المعابد المصرية.
شكل هرمي
أبراج الحمام المصرية مقتبسة من صروح قدماء المصريين والمنازل المصرية، فهي تميل إلى الشكل الهرمي الذي يظهر أنه دستور فن العمارة الفرعونية، وبهذا وحده يبدو تأثير الطراز المصري القديم في طراز البناء الإسلامي ويزل العجب عندما نعلم أن سكان وادي النيل حفدة لقدماء المصريين أكثر من أن يكونوا عربًا.
أبراج مرتفعة
ذكر كتاب “قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية”، من تأليف أحمد أمين عام 1953، أن الحمام طائر معروف وقد كان كثيرًا في الديار المصرية ولكن قل اليوم، فقد كانت أغلب القرى لا تخلوا من أبراج تصنع خصيصا للحمام، فكنت ترى في القرية عشرين برجًا أو ثلاثين، وتكون الأبراج مرتفعة من سبعة أمتار إلى عشرة تبني أولا مربعة بالطوب الأحمر كل ضلع منها نحو أربعة أمتار.
قواديس فخار
فإذا علوا قليلًا أبدلوا الطوب بقواديس الساقية ويجعلونها من الفخار صفوفًا صفوفًا، ويجعلون فمها من الداخل ويصنعون حول الصفوف من الخارج عيونًا بارزة، لكي يقف عليها الحمام، ويضعون أيضًا ألواحا من الخشب عريضة يستريح عليها، ويأتي الحمام من البرية ويقف على تلك الأبراج أو العيدان، والقواديس تصلح لتعشيشه، فيتخذ له منها عشًا ليبيض فسه، ومتي اعتادها لا يفارقها، ولا تمضي اشهر إلا وقد كثر في البرج البيض ومن عادة الحمام أن يبيض ويفرخ ويكون صالحًا للذبح في شهر تقريبًا.
حب وغزل
يكون في البرج الواحد نحو ألف زوج حمام، وربما أنتج هذا العدد خمسمائة بيضة فيكون مصدر ربح كبير للتجارة فيه، وبعضهم يعتقد أن الجان تسكن بيوت الحمام، ويصفونه للضعاف الناقهين من المرض وفي الإنجيل “كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام”، والحمام معروف بالحب والغزل فإذا غاب أخد الرفيقين عن الأخر حزن عليه حزنًا شديدًا، وقد قال العرب والمصريون في ذلك أشعارًا كثيرة وزجلًا كثيرًا.
الحمام الزاجل
وفي التاريخ كان للحمام شأن كبير، وهو حمام “الزاجل” لإرسال المراسلات قبل الوابورات والطائرات وحمامة “نوح” التي أرسلها لتستكشف الأرض مشهورة معروفة، فقد أرسل الغراب أولا فلم يرجع، فعرف أنه لايصلح لهذا الغرض، فأرسل الحمام فرجعت وفي فمها ورقة زيتون، ومن أمثال العامة “فلان زي الحمام” يغوي كل يوم برج، ويضربونه للرجل المتقلب، فأن الحمام قد يكون برج، ثم يألف برجًا أخر فيطير إليه.
والثعبان عدو الحمام، وهذا هو الذي دعا المصريين إلي وضع القواديس نحوها، وقد تألف الثعابين برجًا من الأبراج، فيهرب الحمام حتي يعود في البرج شيء والثعبان يألف أبراج الحمام فيشرب من بيضها ويقتل أفراخها ومن أجل ذلك يتعهد أصحاب الأبراج بالنظافة وكما كبرت الأفراخ زادوا في نظافته ويخروه بفاسوخ لاعتقادهم أن رائحته تبعد الثعابين.
قرية مجريس
في سياق متصل تشتهر قرية مجريس التابعة لمركز صدفا في أسيوط، بأبراج الحمام فعند مرورك بالطريق الزراعي المجازر للقرية تشاهد أبراج جمالية أعلي المنازل تشد انتباه المارة، فالأبراج العالية أشكال وألوان وأحجام تحمل في طيتها جمال الحمام والزراعات والمباني الطبيعية.
وقال جمال علي، أحد سكان القرية، إن أبراج الحمام موروثة من أجدادنا منذ زمن طويل فمعظم المنازل تنشئ الأبراج أعلى المنازل لاستخدامها في الأكل من جانب والاستفادة مخلفات الحمام في تسميد الأراضي وجناين الفاكهة بالقرية.
الهوامش
- كتاب “حضارة العرب” للكاتب غوستاف لوبون، الصادر عن وكالة الصحافة العربية “ناشرون”.
- كتاب “قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية”، تأليف أحمد أمين، عام 1953.
تعليق واحد