«سيدة من الجنة»: فيلم ينضح بالكراهية.. بدعوى التسامح!
شاهدت الفيلم المثير للجدل Lady of Heaven “سيدة الجنة”، أو “سيدة من الجنة”، الذي انقلبت الدنيا بسببه في بريطانيا، بين معترضين غاضبين مهددين ما أدى إلى رفعه من معظم دور العرض التي كانت تعرضه، وبين مدافعين عن الفيلم من منطلق حرية الرأي والتعبير.
شاهدت الفيلم، وقرأت ما نشر عنه باللغة العربية، وكالعادة وجدت أن ما يكتب مجرد كلام منقول لا علاقة له بمضمون الفيلم. لكن الغريب هذه المرة أن الفيلم أسوأ بكثير جدا مما ينشر عنه.
**
ليست مشكلة الفيلم أنه يجسد النبي والصحابة، كما قيل، أو أنه يسيء للنبي، فهو في الواقع لا يظهر وجه النبي إلا بشكل جانبي وتحت هالة من الضوء، ولا يظهر وجه السيدة فاطمة على الإطلاق، وليس به ما يمكن فهمه أنه إساءة للنبي. ولكنه يحمل كثير من النوايا السيئة الأخرى.
هذا فيلم تافه، مصنوع من قبل متعصبين يدعون أنهم ضد الإرهاب والعنف، ولكنهم يؤججون العنف والطائفية بفيلمهم، وللأسف أيضا ما قام به المعترضون على الفيلم وحكاية منعه إنما تصب في مصلحة صناعه الذين كانوا يستحقون ردا أكثر عقلانية يبدد ويدحض ما يحمله الفيلم من تهافت وتفاهة.
الفيلم الذي أخرجه شاب إنجليزي اسمه إيلي كينج (وهو يختلف عن الممثل والمغني الأسترالي الأمريكي من أصل مصري الذي يحمل الاسم نفسه) عن سيناريو لشخص اسمه ياسر الحبيب (يطلق على نفسه شيخ حبيب). وهو رجل دين شيعي كويتي فر من الكويت إلى لندن. حيث يرتع الهاربون من مختلف التيارات والتنظيمات المتطرفة. ويقال إنه تم سحب جنسيته الكويتية منه بسبب آراءه المؤججة للكراهية والمعادية للصحابة.
**
يروي الفيلم، أو يفترض أنه يروي، قصة السيدة فاطمة رضي الله عنها، ابنة النبي (ص)، للمرة الأولى في السينما، وذلك من خلال حبكة تدور بين الحاضر والماضي، حول طفل عراقي صغير اسمه ليث طفل عراقي اسمه ليث، تقتل أمه فاطمة بوحشية أمام عينيه في بداية الفيلم، ويهرب إلى بيت جدته وسط معركة دامية بين قوات داعش والقوات المقاومة لهم، وتحاول جدته تعزيته بأن تحكي له قصة السيدة فاطمة.أول ضحية للإرهاب في تاريخ الإسلام، حسب ما يقوله الفيلم، بناء على بعض المعتقدات والروايات المشكوك فيها (من قبل بعض رجال الدين الشيعة أنفسهم) حول قيام الصحابيين والخليفتين الأول والثاني أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب بحرق منزل السيدة فاطمة والاعتداء عليها بدنيا. مما أدى إلى إجهاضها، ثم موتها بعد أسابيع قليلة تأثرا بإصابتها وحزنها.
تبدأ قصة الجدة لحفيدها ليث بدخول النبي (ص) للمدينة وإعلانه لدستور جديد يقضي بالتسامح والإخاء والعدل. ويواصل الفيلم التنقل بين الحاضر والماضي ليروي قصة غزوة أحد، وما جرى فيها. وهناك أحداث لا علاقة لها بالموضوع الرئيسي مثل مقتل حمزة بن عبدالمطلب والتهام هند بنت عتبة لكبده، وغيرها من المشاهد والتفاصيل الدموية التي تتناقض مبدئيا وبنيويا مع فيلم يفترض أنه يروى للأجيال الجديدة لتتعلم التسامح. ولكن تتسق مع محتوى القبح والعنف والحقد الذي يحمله الفيلم ضد أهل السنة جميعا.
**
العالم الإسلامي في أشد الحاجة اليوم إلى التصالح مع نفسه، ونبذ ما طرأ على الدين من أفكار تروج للقتل والكراهية والتنابذ، وكذلك نبذ النصوص والروايات المؤججة للشقاق والعنف. خاصة وأن معظمها غير موثق بمصادر وأسانيد كافية، وحتى لو كان بعضها يصعب التشكيك فيه. فإن الحل هو الدعوة للاعتراف وقلب صفحة جديدة، بدلا من التثبيت النفسي fixation والتعلق والتشبث بمواقف ولحظات تاريخية أليمة كمبرر للتطرف والإرهاب ضد المختلفين في العقيدة والملة.
يصطبغ فيلم “سيدة الجنة” ويتشبث بأسوأ ما في الرواية الشيعية للتاريخ الإسلامي، ويتجلى ذلك في المضمون العام والتفاصيل الصغيرة. بداية من اختيار الممثلين الذين يلعبون أدوار أبي بكر وبن الخطاب وبلال وغيرهم من الشخصيات التي يكرهها الشيعة. بل يحمل الفيلم عنصرية بغيضة إذ يجعلهم جميعا من السود، يتسمون بقبح الملامح والتشوه الجسماني. ويصل الفيلم إلى ذروة عماه الطائفي حين يبدأ في رواية قصة حرق بيت ابنة النبي والاعتداء عليها. إذ يبالغ في تصوير العنف وشيطنة أبي بكر وبن الخطاب، أكثر حتى من أكثر المصادر الشيعية تطرفا. بالرغم من أن هناك رجال دين شيعة يتسمون بالمنطق والعقلانية يشككون في مصداقية هذه المصادر كما أشرت. ويرون أنها روايات تدعو لتبادل الكراهية والعنف عوضا عن التسامح والتقارب، اللذين يدعي الفيلم، بهتانا، أنه ينادي بهما.
**
ومن الأدلة الأخرى على نوايا الفيلم أن حكاية الخلاف بين ابنة الرسول وأول الخلفاء بدأت، حسب المصادر، بمطالبة ابنة النبي بميراثها. بينما رأى أبوبكر الصديق أن ممتلكات النبي ونصيبه من خراج “خيبر” هو ملك لبيت المال وكل المسلمين. لكن الفيلم يغير ترتيب الأحداث كما روتها المصادر التاريخية. ويجعل أبوبكر يستولي على أراضي النبي وأموال خيبر عقب الاعتداء على السيدة فاطمة، نكاية بها. بل يجعله يقوم بقطع وتدمير الشجرة التي تحمل اسمها، ويطردها من بيتها لتسكن خيمة صغيرة قبيحة حتى موتها!
وبعيدا عن المضمون هناك أيضا تفاصيل مضحكة مثل جعل نساء النبي والمؤمنات يرتدين الزى الشيعي الحالي!
من المفهوم أن يثير الفيلم غضب الكثيرين. ولكن ما رأيناه في المظاهرات التي اندلعت ضده من قبل متطرفين على الناحية الأخرى يهددون بالعنف والقتل إنما يصب في مصلحة الفيلم وصناعه كما ذكرت. بل إن قرار المنع وما تتبعه من استياء من قبل المدافعين عن حرية الرأي والتعبير إنما يصب أيضا في مصلحة فيلم ردئ يسهل تفنيد مزاعمه.
لقد شاهدت الفيلم بعقل محايد، متمنيا حتى أن يكون أفضل مما يشاع عنه، ولكنني وجدت أنه أسوأ. وليس معنى ذلك أنني أؤيد منع عرضه أو تهديد صناعه. وأفضل رد عليهم هو صنع أفلام وبرامج وكتابة مقالات تبين تهافت وتطرف أفكارهم.
اقرأ أيضا
معضلة المهرجانات الفنية: البيضة الأول ولا الفرخة!