" زجاج لا يمرر شعاع البصر" قصة قصيرة لـ إبراهيم حسين
اتفاق ضمني بين السائقين على جعل هذا التقاطع مكاناً لتجمع سياراتهم. في هذا التقاطع الكثير من الضوضاء والسيارات والسباب وتكتمل الصورة بعربة الفول وبائع شاي في أكواب بيضاء بلاستيكية عبثا حاول أصحاب البيوت القريبة الدفاع عن هدوئهم بإرسال الشكاوى، ولكن عندما كان يأتي التفتيش المفاجئ يجد المكان خالياً حتى من بائع الشاي حينها يبدو المكان لمن اعتاده غريباً ربما موحشاً بعض الشيء بدأ أهل البيوت القريبة الاعتياد تدريجيا على الضوضاء والعوادم والفوضى. أصيبوا بما يمكن تسميته (الصمم الجزئى)
صاروا لا يسمعون إلا الأصوات العالية ولذا تجدهم حتى في أحاديثهم الخاصة يرفعون أصواتهم بلا داع.
عندما تأخذ مكانك في السيارة من هذا المكان يتوجب عليك الانتظار حتى يكتمل العدد , شخص ما يمسك بورقة التقطها من الأرض ويكتب أرقام السيارات لضبط حركة الموقف .
يمكنك من كرسيك أن ترى بائع الفول وهو يعمل بسرعة ولا يتوقف عن الاهتزاز كالبندول تساعده في غسل الإطباق امرأته المنقبة يبدو المشهد غريباً بعض الشيء حيث إنها تغطى وجهها وتكشف عن ساعديها، وتسمع الصبيان الصغار العاملون
على هذه السيارات وهم يمسحونها بفوط وردية اللون، ويتضاحكون بنكت خارجة، والسائقون جالسون يحتسون الشاي ويلقون بكلمات غير واضحة لأي فتاة تمر, لازالت بعض اللمبات مضيئة فالشمس لم تشرق بعد.
تنطلق السيارة وبدأ البعض في النوم والبعض في الأكل والشباب يضعون سماعات الأذن ليستمعوا إلى أشيائهم التي يفضلون.
تسير السيارة بهدوء في محاذاة البحيرة وهناك يمكنك مشاهدة الصيادين الخارجين لتوهم من الماء يسحبون مراكبهم خلفهم وعليها رزق الليل غالباً ما يكون معهم أولادهم الصغار للمساعدة وعند طلوع الشمس يضع هؤلاء الصيادون تظليله يقفون تحتها وقد ضفروا الأسماك في ضفيرة طويلة من سعف النخيل يلوحون به للسيارات المارة، تحلق فوق البحيرة طيور بأشكال عديدة يقولون أنها طيور السمان التي نزلت على سيدنا موسى ويقولون أيضا أنها إوز عراقي مهاجر لست عالما بأنواع الطيور.
أحاول اختراق الضباب لأرى أبعد مدى في البحيرة. ثمة صيادين آخرين لايزالوا يحاولون. يزيد من كثافة الضباب أنفاس المسافرين المتكاثفة على زجاج السيارة. عندما تنتهي البحيرة تمر السيارات على كشك المرور وهناك يقف رجل المرور يلبس على ذراعه شارات حمراء وقد أحاط المكان بأقماع هيئة المرور وبراميل ممتلئة بالأسمنت رسم عليها من الخارج علم الوطن.
مرة يكون واقفاً ملتفاً بشيء ما كالبطانية أو واقفا يضع يديه في معطف أسود طويل أو يتكئ على كرسي طويل من الحديد ولكن في كل أحواله لا أرى وجهه ظاهراً. على كثرة ما مريت من هنا فأنى إن قابلته في طريق لن أعرفه هل هو نفس الرجل دائماً؟ هل هم كثيرون متشابهون ؟ يهدئ السائق من سرعة سيارته للحد الأدنى ويلقى بقطعة العملة المعدنية في المربع المصنوع من الأقماع والأسمنت. لماذا معدنية تحديداً ؟ ربما حتى لا تأخذها الريح بعيداً أو لأن الشرطي لن يراها ولكنه سيسمع صوتها على الأرض وهناك عندما تشرق الشمس ويكون بإمكانه إخراج يده من المعطف الأسود الطويل, حينها سيراها تلمع بصفرة محببة جداً إليه.
وبعد أن تمر السيارة بالكشك تعود إلى سرعتها الأولى حتى تمر من أمام قسم الشرطة العتيق وأولئك الخفر الواقفين أمامه كالتماثيل ، وبعدها يبدأ الطريق الصحراوي الطويل.
هذا الصباح هدأ السائق من سرعته والقى بعملته المعدنية، لم أرى الرجل في ثكنته ولكنى أرجعت ذلك إلى الضباب القريب جدا من الأرض كضربة فرشاه ضخمة ولكن أحداً من الكراسي الأولى قال(تلقى بعملتك لفراغ إنه ليس هناك)
رد أخر (إنه هناك ولكنه متخفي ليرى إن كان أحداً سيحاول التمرد)
وأخر (إنه جالس متجمد من البرد فهو كما تعلمون عجوز ولا يستطيع التحرك في هذا المناخ)
وأخر(يا أخوه الرجل ليس بموجود أنتم تتهيئون إنه الظلام وألاعيبه)
وآخرون(الرجل مع امرأته بالداخل فهو يأتي بها إلى هنا لتلملم المال من الأرض لأنه لا يستطيع التحرك فظهره متصلب لا يستطع الإنحناء)
آخرون(إنه يؤتى بامرأته ولكن لغرض أخر …. أنتم تعرفون هذه الأشياء
( قهقهات خجلة..أخر(بالله إنه ليس هنا أنتم تختلقونه
عندما جاء مركز الشرطة العتيق سكت الجميع، ولما جاء الطريق الصحراوي الطويل نام الجميع.
صدر للقاص إبراهيم حسين مجموعتان هما: “هنا يموتون مرات عديدة” والحاصلة على جائزة الشارقة الأدبية لعام 2011، و”سيد النخيل” وحصلت على جائزة عماد قطري الأدبية لعام 2014،كما حصل الكاتب على جائزة هيئة قصور الثقافة المركزية في القصة المنفردة، عن قصة “إيمان” عام 2012، والمركز الثالث عن قصة “ممر طويل يؤدي إلى حجرة مظلمة” من مركز مساواة لحقوق الإنسان في نفس العام، وفي عام 2014 حصل على المركز الثاني عن مجموعة “رائحة كريهة” في المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة، وفي عام 2015 حصل على المركز الأول عن قصة “غياب” في المسابقة التي أقامتها مجلة العربي مع هيئة الإذاعة البريطانية، كما حصل في نفس العام على المركز الثانى فى مسابقة “ربيع مفتاح” الأدبية، عن قصة “في انتظار الليل”
2 تعليقات