د.بهجت قبيسي: فلسطين أرض عربية ولا مكان بداخلها لليهود المتصهينين|حوار
كانت دائمًا قضية القدس وفلسطين هي شاغله الأول والأخير ، فهو ابن للدفعة 42 بكلية الحربية في القاهرة، والتي تخرج فيها وقت الوحدة بين مصر وسوريا. لكن سرعان ما تبدد حلمه فجأة رفقة أبناء جيله عندما انفصلت الدولتان، فقرر حينها ترك المجال العسكري بشكل كامل للتفرغ لدراسة التاريخ. إذ كان أول ما تعرض له هي المشكلة الفلسطينية.
درس الدكتور بهجت قبيسي، أستاذ اللهجات العروبية «الكنعانية والآرامية» والتاريخ القديم، كافة النقوش التي تنسبها إسرائيل لنفسها، وأعاد قراءتها وتفنيدها لسنوات. فلم يجد شيئًا مما يدعونه حيث أصّل للمسألة في كتابه «القدس في الآثار والكتابات المصرية والكنعانية والآرامية وتفنيد المزاعم الصهيونية». كما ألف مجموعة أخرى من الكتب الهامة ومنها: «ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبنية والعدنانية»، وكتاب «القدس في الكتابات الهيروغليفية والأكادية والكنعانية والآرامية»، وكتاب« العرب والأمازيغ».
ولد قبيسي عام 1940 في دمشق بسوريا، عايش النكبة. وكذلك الأحداث الكبرى التي عاشتها المنطقة العربية ككل إلا أنه لا يزال يحلم هو وجيله كله باسترداد فلسطين.. «باب مصر» أجرى معه حوارا للتعرف على رؤيته عما يدور حاليا في فلسطين.
كيف تابعت الأحداث الأخيرة وما جرى في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن.. وكيف ترى فكرة تحويل المنطقة العربية وفلسطين لمنطقة «إبراهيمية»؟
الصهيونية تتبنى حاليًا مخططًا تستهدف منه تهجير سكان غزة إلى مصر. وهنا يجب أن نفرق بين الصهيونية واليهودية. لذلك أقول: ليس للصهيونية مجال أو حق في بلادنا. فقد تابعت منذ نحو العام النداء الذي قدمه بابا الفاتيكان عندما اقترح أن تكون هذه المنطقة «إبراهيمية» فهذا كلام حق يراد به باطل. وأنا أقولها دائمًا لقد كانت البلدان العربية بكافة مدنها قبل عام 1948 عبارة عن مدن إبراهيمية. إذ كان يعيش بداخلها اليهودي، والمسيحي، والمسلم. فدمشق على سبيل المثال منذ الفتح الإسلامي كانت تضم داخلها أبناء الثلاث ديانات؛ إذن فالدعوة التي أطلقها الغرب وكذلك الصهيونية بشأن المدينة الإبراهيمية كانت موجودة بالفعل داخل المناطق العربية منذ مئات السنين وكانت مطبقة.
لكنهم يريدون من دعوتهم هذه أن تستوعب هذه البلدان الصهيونية، وهذا الأمر لن نسمح به، لذلك قلت لك أنه الحق الذي يراد به الباطل. فاليهودي العربي الذي هاجر من حلب إلى ما سميّ بإسرائيل فهذا تم تضليله؛ لكنه لا يزال يهوديًا عربيًا. فإذا أراد العودة لبلاده في مقابل تخليه عن هذه الدولة فهو مرحب به.
إذن هل سينجحون في مخططهم بنقل سكان غزة في نهاية الأمر؟
كلا ثم كلا ثم كلا.. لن يستطيعوا أبدًا، فهناك غزة أخرى تحت الأرض، ومن المستحيل أن يصلوا إليها. وهذا ما يؤكده الجنرالات اليهود بأنفسهم، فالرهينة اليهودية التي جرى تحريرها منذ أيام أكدت الأمر نفسه حين ذكرت أن غزة يمر بأسفلها شبكة أنفاق ضخمة.
فأنا عسكري سابق ومن واقع خبرتي أقول لك أن أسفل غزة مدينة أخرى من الأنفاق لن يتمكن اليهود من الوصول إليها أبدًا. وهذا أمر مؤكد من واقع خبرتي العسكرية، ومن ناحية التكتيكات الحربية والعسكرية فأنا لم أر في حياتي ولم أسمع مثيل لهذه العملية التي جرّت في السابع من أكتوبر الماضي؛ لذلك فهؤلاء يستحقون الدعم الكامل من كل عربي.
كتبت الكثير من المؤلفات التي ذكرت فيها أن اليهود ليس لهم شيئًا في القدس وأن أورشاليم ليست هي القدس.. كيف بنيت هذا الرأي؟
بالفعل هناك فارق بين أورشاليم والقدس، فالقدس بدأت الحياة تدب داخلها وفقًا لجميع الآثار التي بين أيدينا اليوم خلال القرن السابع قبل الميلاد. أما النبي سليمان فقد عاش في سنة 960 قبل الميلاد؛ أي أن مدينة القدس لم تكن قد وجدت أصلًا عندما عاش سليمان. وكذلك فهم عندما يتحدثون عن داود النبي يقولون أنه عاش في عام 1040 قبل الميلاد. وهذا يعني أيضًا أنه لم يكن هناك موضع اسمه القدس.
وكذلك النبي إبراهيم فهم يقولون أنه عاش في عام 1800 قبل الميلاد، وفي هذا التاريخ لم تكن القدس أيضًا قد وجدت. فجميع الآثار الموجودة في القدس الآن هي آثار إسلامية ورومانية تخص الأباطرة العرب الذين حكموا روما، وليس لليهود علاقة بها، وهي تعود لحقبة الإمبراطور «تراجان»، وهو كنعاني الأصل، ثم الإمبراطور «هادريان». إذن فجميع الآثار الموجودة في المنطقة العربية خلال العصر الروماني هي آثار الأباطرة العرب الذين حكموا روما. وقد قضينا عمرنا نبحث عن أثر واحد يخصهم في هذه المنطقة فلم نجد شيئًا أبدًا مما يدعونه.
كانت لك دراسة موسعة عن نقش يخص مرنبتاح الموجود في المتحف المصري بالتحرير والذي يدعي اليهود أنه نقش «إسرائيل».. ما نتائج هذه الدراسة؟
دائمًا ما كنت أجد إسرائيل تحاول نسب النقش لنفسها. وتقول إنها قد ذُكرت بداخله لذلك قرأت النقش ووجدته كالآتي: «قد سيطر مرنبتاح على التسعة أقواس التالية»، وكلمة قوس تعنى «بلد أو شعب» في الكتابة المصرية القديمة. وهنا بدأت بعدّ ما بين الأقواس ووجدتهم تسعة أسماء لكن إسرائيل تدعى أنهم ثمانية وليسوا تسعة. أي أن هناك شك في القراءة، والمتصهينين المتخصصين بدأوا يروجون لتلك القراءة.
وقد رجعت للدكتور عبدالحليم نور الدين، وقلت له: إنني لم أجد في النقش اسم إسرائيل، وإنما وجدت مدينتين هم «يازير ويارون» وبهذا يصيروا تسعة. فقال لي: «إن التاسوع مقدس بالكتابات المصرية، فإذا ذكر بالنقش لفظ تسعة فيجب أن يكونوا تسعة أو أكثر. لكن لا يمكن أن ينقص عن هذا الرقم، والتسعة أسماء هم إما لشعوب أو لأراضٍ أو بلدان أو مدن».
وعرضت هذه القراءة أيضًا على الدكتور عليّ رضوان -رحمة اللّٰه- فوافق عليها. لذلك لم نجد شيء مما تدعيه إسرائيل في هذا النص. فهم للأسف غيبونا عن تاريخنا، فقد اطلعت على جميع النصوص التي يستند عليها اليهود في كتاباتهم ولم أجد شيئًا مما يدعونه.
كيف تنظر للصراع الفلسطيني الإسرائيلي حاليًا؟
فلسطين أرض عربية، وستظل عربية ولا مكان بداخلها لليهود المتصهينين، وليبقى فقط هؤلاء اليهود العرب الذين لُعب بأدمغتهم. فقد عاشوا معنا ومع الرسول حين كان في مكة، فهذه الأرض عربية وتتكلم العربية بكافة أسامي مدنها، وأرضها، وجغرافيتها.
فأقدم نسخة توراة مترجمة للعبرية تعود للقرن العاشر ميلاديًا، بينما هناك نسخة أصح وهي التوراة السامرية، وتعود ليهود نابلس فهؤلاء لا تربطهم صلة باليهود الآخرين فهذه النسخة يرجع تاريخها لعام 265 قبل الميلاد. أما بالنسبة لهذه التوراة التي يتداولها ديفيد بن جوريون، وإسحاق شامير، ونتنياهو هي توراة عليها ألف خلاف بين كبار الحاخامات السامريين في منطقة نابلس. فهي غير معترف بها عند يهود نابلس. فهؤلاء يهود أهل الكتاب، وهم يحترمون الناس، ويعرفون أن هذه الأرض هي أرض عربية، لذلك فهم يحضرون مؤتمرات منظمة التحرير الفلسطينية، ودافعوا دائمًا عن حق العرب في فلسطين.
تقول أيضا إن اللغة العبرية هي لغة حديثة تعود للقرن العاشر الميلادي.. كيف ذلك؟
اللغة العبرية هي لغة حديثة تاريخها يعود للقرن العاشر الميلادي، والخط العبري هو خط جديد يعود للقرن التاسع الميلادي. فعندما اغتنى اليهود في القرن الثالث الهجري. أي ما بين 800 إلى 900 ميلاديًا، أرادوا أن يجعلوا من الدين قومية. وبالتالي احتاجت القومية إلى لغة خاصة بهم. فاخترعوا الخط العبري وأسموه بـ«الحرف الآرامي المربع» الذي لم نجد لهُ أثرًا باقيًا قبل هذا التاريخ، ونتحدى أن يعطونا هذا الحرف قبل القرن الثالث الهجري.
وبعدها غيروا في التوراة، وغيروا ستة أحرف مجموعة بكلمة «بجذكفث» فأصبحت «فجدخبت». أي كي أوضح الأمر مثلًا كلمة «هلك» وهي بمعنى ذهب صارت عندهم «هلخ» وفي القرن التاسع أضافوا الأحرف الصوتية فصارت «هوليخ». وفي نفس الوقت أخذوا نسخة من التوراة التي حرفونها إلى طبرية بشمال فلسطين. وقالوا عثرنا على التوراة! وبعد سنة صدر في مدينة فاس بالمغرب «القاموس العبري» وقد سرقوا كافة الكلمات ووضعوها فيه. وكان وراء ذلك القاموس شخص يهودي يدعى «يهودا بن قريش» الذي ادعى بأنه غير عربي وإنما يهودي. لكن لو ركزت في اسمه الأخير ستجد أن قريش هي قبيلة عربية، أي أنهم عرب.
وللأسف صرنا نحن العرب نعيد ما يزعمون من كلام دون تدقيق أو تحقيق. والدليل على ذلك أننا عندنا نقوش الجنيزا في القاهرة التي تعود للقرن العاشر الميلادي. إذن فاليهود كانوا يكتبون بالعربية والدليل على ذلك هو أن نصف وثائق الجنيزا كتبت باللغة العربية الفصحى. فخلال تلك الفترة كانوا يتدربون على كتابة الكلمات العربية بالخط الجديد الذي ابتدعوه، ثم استعملوا تلك الكلمات وأخذوها للعبرية.
ما الذي تتوقعه خلال المستقبل القريب بشأن هذا الصراع؟
أرى أن نهاية إسرائيل والصهيونية على الأبواب.
اقرأ أيضا:
فلسطين.. قضية تفضح بشاعة النظام الدولي وإفلاسه
الأرشيف الفلسطيني: من يكتب حكايته يرث أرض الكلام
رسالة مفتوحة من المثقفين العرب لمثقفي الغرب: لنتحاور من أجل فلسطين
حوار| محمد الكحلاوي: على العرب الاهتمام بتمويل البحوث التاريخية حول فلسطين