حوار| النحات أيمن سعداوي: كسر المدرس علبة ألواني فأصبحت نحاتا
أيمن عبدالقوي سعداوي، فنان تشكيلي ونحات مصري، من مواليد 1967، لم يتلق تعليما أكاديميًا لدراسة الفن، لكنه اعتمد على إحساسه وذاكرته البصرية وموهبته، فهو يحول الكتلة الصماء، إلى قطعة فنية تكاد تنبض بالحياة، منحوتاته تشع بهجة مصرية خالصة، وتشعر معها بالفرحة والانطلاق والحركة بالرغم من قسوة خامتها.. “باب مصر” كان له حوارا معه.
كيف كانت البدايات الأولى؟
ولدت في رأس غارب بالبحر الأحمر حيث كان والدي يعمل في قطاع البترول، بعد أن ترك الفيوم التي انتقلت إليها عائلة أمي بعد التهجير من مدينة بورسعيد أيام العدوان الثلاثي، ومكثت في رأس غارب حتى سن الثانية عشر، ثم عادت أسرتي مرة أخرى إلي الفيوم، اكتشفت شغفي وحبي للرسم والفن منذ طفولتى، وكان لتأثير البيئة أثرًا كبيرًا، فقد كانت المدرسة قريبة من البحر مباشرة، كما أن الجبال التي كانت تحيط بالمكان كان لها تأثير أخر.
عشقت حصة الرسم التي كانت موضوعاتها تنحصر في ثلاثة عناوين، الحرب وبطولات الجيش المصري، والبحر وعالمه، والبترول، وأتذكر جيدا مدرسة الرسم “أبلة تهاني”، التي شجعتني على الرسم واستخدام الخامات البيئية، حيث استخدمت “الطَفلة” من الجبل، وكنت أقوم بعجنها وتشكيلها.
أما الرسم فكنت استخدم الألوان الشمعية التي كانت معلمتي تزودني بها بجانب كراسات الرسم وهو ما كان حافزا كبيرا لي، فكنت استخدم القواقع والطفلة وأقوم بعمل نماذج لقاع البحر وكائناته والدبابات والجنود، وكانت أعمالي تعرض بالمعارض المدرسية، وقد اكتشفت الألوان المائية من خلال زميل كان والده طبيبا وقد أحضرها له من الخارج، وجذبتني كثيرا فعقدت اتفاقًا معه بأن أرسم له في كراسته مقابل أن استخدم ألوانه المائية.
ماذا عن تأثير بيئة الفيوم المختلفة في موهبتك؟
مع بداية المرحلة الإعدادية انتقلت إلى الفيوم، فرأيت اللون الأخضر في الحقول والغيطان، التحقت بمدرسة التجريبية الإعدادية، لكن لم أجد اهتمامًا بحصة الرسم، وحدثت لي مشكلة مع مدرس اللغة الإنجليزية، فقد قمت بتلوين رسومات الكتاب المدرسي، فكسر المدرس الأقلام، فلم يكن يدرك مدى سعادتي بتلوين الرسومات، لكن كان لتلك الحادثة وجه آخر، فقد أردت أن أثبت له حبي للرسم والتلوين، وعثرت على قطعة من الحجر الأبيض، وقمت بتشكيل أول تمثال، وأهديته إلى مدرس اللغة الإنجليزية، الذي لم يزعجني بعدها مطلقا وبدأت طريقي في تشكيل الحجر، دون معلم أو تدريب، والتحقت بعدها بمدرسة المعلمين.
لماذا مدرسة المعلمين..ألم تفكر فى الفن..هل أفادتك الدراسة فيها؟
منذ الأيام الأولى بالمدرسة شاهدني الأستاذ وديع مدرس التربية الفنية، وأنا أرسم فأبدى سعادته بمستوى رسمي، وعرفني بغرفة الخزف بالمدرسة التي كانت اكتشافي الأهم، حيث رأيت “الطين الأسواني”، وعقدت اتفاق مع طلبة الصف الخامس الذين كانوا يستعدون لمشاريع التخرج بقطع من الخزف، بأن أقوم بعمل المشروعات مقابل الحصول على قطع من الطين، وبدأت في صناعة أول تمثال من الطين في المنزل، ومن وقتها أصبحت ورشة الخزف مكاني المفضل في المدرسة، وتم فصلي من المدرسة لتجاوز نسب الغياب لأني كنت أحضر في ورشة التربية الفنية.
انزعج والدي من قرار فصلى وأخذني للمدرسة وقابل مديرها الذي رفض عودتي، لكن الأستاذ وديع أنقذ الموقف وأخذني أنا ووالدي إلى عميد المدرسة، وقال له أن تغيبي كان بسبب مشاركتي في المعرض المنهجي المدرسي السنوي، فتم إلغاء قرار الفصل، وهو ما جعل أسرتي تغير نظرتها عن العمل بالفن، بعد أن كان سبب عودتي للمدرسة، وبالرغم من ذلك لم تسهم الدراسة في مدرسة المعلمين في تنمية موهبتي، فقد كانت الدراسة تقليدية وتعتمد على تقليد ونسخ الأعمال العادية، لكنها منحتني فرصة لاكتشاف موهبتي بنفسي وتجربة استخدام الطينة في التشكيل والتدريب عليها.
لماذا كان قرارك بترك مهنة التدريس والتفرغ للفن؟
بعد تخرجي من مدرسة المعلمين، تم تعييني في مدرسًا للتربية الفنية، لكن مجال التدريس لم يكن هدفي، لذا تركت التدريس من أجل الفن في عام 2000 بعد تجربة استمرت 9 سنوات.
تعرفت وقتها على بعض فناني الفيوم وبدأت في التردد على قصر ثقافة الفيوم، لكن لم يكن أحد يشتغل بالنحت، فذهبت تجاه الرسم واللوحات الفنية واشتركت في بعض المسابقات بلوحات زيتية ، ثم عدت مرة أخرى للنحت بتشجيع الفنان والنحات الكبير محمد بكر الفيومي، وقمت بعمل ثلاث قطع نحتية للمشاركة في مسابقة تابعة لمركز الفنون عام 1999، وانغمست بالنحت، واشتركت في العديد من المعارض وحصلت على عدد من الجوائز.
ألا يغضبك تصنيفك فنانا فطريا؟
الفن هو الفن سواء كان الفنان فطريا أو أكاديمي، وأذكر أني شاركت بقطعة نحتية في المعرض التابع لمراكز الفنون التابعة لوزارة الشباب والرياضة، بتمثال اسمه “المحروسة”، كانت المعارض قسمين قسم للفنانين الأكاديميين، وقسم للفنانين الفطريين وكنت من بينهم، كان التمثال حديث كل الفنانين وزوار المعرض، لكن عند إعلان الفائزين لم أفز بأي مركز، وكان رئيس لجنة التحكيم النحات محمود شكري، وعندما سألت عن عدم فوزي، كان السبب أن نسب التمثال صحيحة وتشريحه على أعلى مستوى فصنفته اللجنة على أنه ليس فطريًا، ولعدم دراستي الأكاديمية لم أفز رغم انتماء التمثال لمعايير هذا التصنيف، وبالطبع أحزنني ذلك جدا، وأنا أري أن الفن كان موجودا قبل إنشاء الكليات الأكاديمية، وما يدرس فيها هو عبارة عن تاريخ للفن الفطري وفنانيه الأوائل.
وماذا عن تجربة المشاركة فى حديقة الصداقة بالصين؟
رشحني قطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة لهذه المشاركة ممثلاً للفن المصري في 2016، أنا والفنان مصطفى خاطر، بمشاركة فنانين من مختلف الدول العربية، لإنتاج أعمال فنية تعبر عن الصين من خلال عيون فنانين عرب، كانت مدة المشاركة 20 يوما قمت بتصميم تمثال عبارة عن سيدة منطلقة تحمل في يدها رسالة وكتاب منقوش عليه مصر والصين، والوشاح على صدرها علم مصر وتلبس قلادة بها علم الصين، ونفذت قطعة أخرى وهي الفلاحة المصرية بملامحها المميزة، كانت تجربة شيقة للغاية فقد تعرفت خلالها على العديد من فناني الوطن العربي، كما شاهدت كيف تتعامل دول مثل الصين مع الفنانين والفن.
كيف كان أول معرض خاص لك؟
ساعدني الفنان بكر الفيومي في حجز قاعة بالقاهرة، وكان أول معرض خاص في عام 2001 بحضور الكثير من الفنانين وعلى رأسهم الدكتور الفنان أحمد نوار، الرئيس السابق لقطاع الفنون التشكيلية، لم يحمل المعرض اسما خاصا فقد كان يضم مجموعة مختلفة من القطع الفنية، التي أشاد بها الدكتور نوار، وسألني أن كنت دارسا للفن وأخبرته بالنفي، ثم أمسك بأحد القطع وسألني هل استعنت بموديل عند النحت قلت له لا أنا استخدم خيالي وذاكرتي فقط، وكان التمثال اسمه “أمومة من بحري”، وكتب الدكتور أحمد نوار في سجل زيارة المعرض (أنت تحول خامة عديمة ورديئة الإحساس إلى خامة قوية الإحساس ونبيلة”.
وماذا عن شعورك بعد الحصول على جائزة بينالي القاهرة الدولي؟
بالرغم من حصولي على العديد من الجوائز ومشاركتي في الكثير من المعارض، إلا أن تلك الجائزة اعتز بها كثيرا، حيث شاركت في بنيالي القاهرة الدولي في دورته السادسة، وشاركت بمجموعة من 9 قطع تكمل بعضها البعض تصور تلاشي الإنسان المعاصر، وحصلت عن هذا العمل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وتم اقتناء العمل بمتحف 15 مايو للخزف، وأتذكر أني قمت ببناء فرن في غرفة بمنزلي كي أحرق تلك القطع لعدم وجود أفران حريق في ذلك الوقت قريبة بالفيوم ولضيق الوقت للاشتراك في المسابقة.
هناك من يرى أن الموضة في النحت هي التجريد، فما رأيك؟
من خلال تجربتي الشخصية وبعد مشاهدة الإعجاب في عيون الذين يشاهدون أعمالي، أرى أن الأهم ماذا يريد أن يقول الفنان وكيف؟، وليس لهذا علاقة بالنوع أو التصنيف فلكل نوع جماله ومحبيه، وهو ما أكدته مشاركتي في المعرض القومي العام 2001 بقطعة نحتية اسمها “طرح النيل” وكانت القطعة تصور رجلا نائما على ظهره، وتم عرضها على مستوى منخفض بعض الشيء.
وأتذكر أن الفنان الوزير فاروق حسني الذي افتتح المعرض، توقف عند قطعتي كثيرًا ثم جلس القرفصاء كي يقترب أكثر من التمثال ثم رفعها ونظر للقطعة واستفسر عن خامتها، وما لفت انتباهه وإعجابه أن الخامة المستخدمة كانت من الفايبر، ويعد مثلي الأعلى هو الفنان الفطري والنحات الكبير عبدالبديع عبد الحي.
خلال معرضين “بر مصر” و”النيل” تظهر البيئة المصرية بمفرداتها لماذا؟
أرى أن الفنان لا يجب أن ينفصل عن البيئة المحيطة، وعليه حفظ عناصرها قبل أن تندثر، وكان المعرض الأول هو معرض “بر مصر”، وكان عبارة عن مجموعة نحتية لأشهر الألعاب الشعبية المصرية التي كان الأطفال في كل محافظات ومناطقها الشعبية والريفية يلعبونها، والتي لا يعرفها الأطفال الآن، حيث عرضت تماثيل لألعاب: الحجلة، نط الحبل، شد الحبل، نطة الإنجليز، الغميضة، اللعب بالبلي، وهناك طفل يلعب فوق ظهر “جاموسة” في الماء وهو مشهد كان يتكرر كثيرا في الريف، ولعبة صلح وغيرها من الألعاب وجاءت الفكرة من إحساسي بافتقاد تلك الألعاب الآن.
أما معرض “النيل” فقد جمعت فيه مجموعة من المراكب التي تسير في النيل من مختلف المناطق في مصر.
هل تحضر لمعرضا جديدا؟
كان من المقرر أن أقيم معرضا خاصا في نهاية العام وتحديدا في شهر ديسمبر، يحمل اسم “فرح”، حيث تصور القطع النحتية التي ستكون في المعرض صورة الفرح في الحارة أو الشارع المصري خلال فترة السبعينات، وأتمنى أن تنتهي أزمة فيروس كورونا وأن يرى المعرض النور.
تعليق واحد