حديقة الزهرية التراثية.. تأهيل أم تدمير؟

حملت الأيام الأخيرة الكثير من التخوفات بشأن مصير حديقة الزهرية التراثية بالزمالك، حيث تداول المهتمون بالشأن التراثي والبيئي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى اقتراب غلق الحديقة بالكامل تمهيدًا لتطويرها خلال الفترة المقبلة.

أثارت كلمة «تطوير» قلق المهتمين، مما دفعهم للتردد على الحديقة خلال الأيام الأخيرة، خوفًا من أن تلحق بمصير العديد من الحدائق العامة التي أزيلت الكثير من أشجارها ومسطحاتها الخضراء، واستبدلت بمئات من بلاطات الإنترلوك والمسطحات الإسمنتية، مع إحاطتها بعشرات الكافيهات والمطاعم.

من جانبه علم موقع «باب مصر» أنه قد جرى أمس الثلاثاء تسليم حديقة الزهرية التراثية للجنة جرد تابعة لرئاسة الجمهورية، تمهيدًا لإعادتها لرونقها التاريخي مرة أخرى – على حد وصف الجهات الرسمية -.

ووفقًا لمديرة الحديقة الدكتورة إحسان الديب، فإن اللجنة المكلفة بالإشراف على عملية الجرد طمأنتهم. إذ أوضحت أن الهدف من المشروع هو إعادة الحديقة لسابق عهدها. أما بخصوص مقترحات التطوير، فقالت إنه حتى الآن لا يوجد أي رد عن هذا الأمر: «هذه الخطوة سابقة لأوانها». لكنه تم التأكيد خلال الاجتماع بأنه سيتم الأخذ بالآراء، وفتح باب النقاشات بين المتخصصين والمهتمين بملف البيئة. وأيضًا السكان المحليين وبين الجهات التنفيذية للخروج بصيغة مرضية للجميع.

قلق وتأكيدات

وأضافت مديرة الحديقة: لا تزال حديقة الزهرية حتى الآن تحتوي على مجموعة نادرة وفريدة من النباتات والأشجار منذ عهد الخديو إسماعيل. لكن في المقابل، نحن مطمئنون بشكل عام بسبب تأكيد المسؤوليين على عدم المساس بالحديقة التاريخية، فضلًا عن عدم وجود أي نية لإغلاقها. إذ سيسمح للجمهور بزيارتها طوال أيام الأسبوع دون أي غلق.

المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، قال إنه حتى هذه اللحظة لم يقدم للجهاز أي مشروع  حول إعادة تأهيل الحديقة التراثية، وكذلك طرق التعامل معها. حيث أكد أنه من الضروري الاستعانة برأي الجهاز كجهة استشارية عند التعامل مع الحدائق التراثية المسجلة، وهي الخطوة التي لم تحدث حتى الآن بالنسبة لحديقة الزهرية.

ضرورة إيجاد قانون

المحامي البيئي أحمد الصعيدي وصف قرار عدم غلق الحديقة بالـ«مطمئن»، إذ اعتبر أنه سيعزز من مبدأ الشفافية، خصوصًا أن التطوير سيكون أمام أعين الناس. لكنه في المقابل طالب بضرورة أن يكون هناك مشاركة مجتمعية كاملة لعملية رفع كفاءة الحديقة. حتى لا يتم تحويلها في نهاية الأمر لكافيهات ومطاعم.

وأضاف: للأسف، التعامل مع الحدائق التراثية في مصر يفتقد للكثير من الأمور، أولها غياب بعض المواد الدستورية التي من المفترض وجودها. وهي المتعلقة بضرورة إيجاد قوانين موحدة للتعامل مع الحدائق العامة والأشجار. يقول: «لازم يكون فيه قانون واضح، علشان يعرف المسؤولون طرق التعامل مع الحدائق والأشجار. لأن المسؤولين مش لاقيين قوانين يقدروا من خلالها يتعاملوا مع الحدائق، وخصوصًا التراثية منها».

ويكمل الصعيدي: من وجهة نظري لا بد من تفعيل قوانين التنسيق الحضاري وغيرها من قوانين الأجهزة المنوطة. ولكن للأسف، هذا لا يحدث على الأرض، لأنه عادة ما يتم التضحية بالأشجار النادرة لصالح الفرص الاستثمارية غير المدروسة.

وينهي حديثه: أدعو جميع المواطنين للتردد على هذه الحدائق بصورة مستمرة. وكذلك أتمنى من الدولة الاستجابة لأية محاولة قد ينتج عنها أي تدمير أو تشويه لقيمة هذه الحدائق. مع ضرورة التأكيد على وجود تشريع موحد للتعامل مع المساحات الخضراء الموجودة داخل مصر.

ماذا نعرف حديقة الزهرية؟

جاء ذكر حديقة الزهرية في رسالة الدكتوراه التي قدمها الدكتور ناصر الكيلاني، بعنوان: «حدائق القاهرة في عصر أسرة محمد عليّ». إذ ذكر من خلالها أن الخديو إسماعيل قررَّ جلب هذا العدد الهائل من النباتات والأشجار من داخل أقطار عديدة. كالهند والصين وجزر آسيا الجنوبية وأواسط السودان وأمريكا الجنوبية، ووضعها داخل حديقة الزهرية. حيث بلغت النباتات التي استوردها أكثر من مليون شتلة لثلاثة آلاف نوع نباتي. وقد قام تجار متخصصون بجلبها مباشرة من مواطنها الأصلية، أو عن طريق معارض النباتات المتخصـصة التى كانت تقام في أوروبا في ذلك الوقت.

ويضيف: صدرت أوامر بتخصيص خمس عربات من السكك الحديدية لنقل النباتات التى تم استيرادها لحدائق الأزبكية وحدها. وذلك من ميناء الإسكندرية إلى القاهرة، وكانت تنقل بدورها إلى حدائق «الزهرية» أولاً. حيث يتم أقلمتها مع الظروف المناخية والتربة المصرية قبل غرسها في أماكنها بالحدائق المختلفة. وقـد استعان الخديو إسماعيل بأشهر علماء النباتات وخبراء تنسيق الحدائق من أوروبا ليجعل مـن حدائق مصر متاحف نباتية.

تسمية الحديقة

أما بخصوص تسمية الحديقة باسم الزهرية، فذكر الكيلاني أن إنشاءها كان داخل موقع مخصص كمشتل للزهور، التي استعملت فـي تنسيق الزهريات، وموائد الحفلات في فترة حكم الخديو إسماعيل 1868م. وكان المهندسـون جابى ودوشان ودلشفالرى مكلفين بإنشاءها. وكانت مساحة الحديقة 49 فداناً. وفي عـام 1871م أنشأ بها مشتل وروضة الزهور، وخصصت أماكن لتربية النباتات ذات العناية الخاصة. وأقيمت بها الصوب الزجاجية المدفاة لأكثار نباتات المناطق الحارة والنباتات الورقية والمائية، واشـتملت أيضاً على صوب خشبية.

وفي سنة 1917م، ضمت الحديقة إلى وزارة الزراعة لتكـون مركزاً لأقلمـة وإكثـار وتوزيع النباتات بين الهواة، وكذلك إقامة معارض الزهور. وقد خططت الحديقة في ذلك الوقـت بمعرفة المستر براون، والمستر ولنجهام، وأعيد تخطيطها عام 1930م، بواسطة المهندسين عبدالحميد وفا وإبراهيم ومصطفى محرم ومحمد دراز وحسانين السيد. واستمر هذا التخطيط حتى الآن. حيث أصبحت مساحة الحديقة الآن 8 أفدنة وبداخلها 4 صوب زجاجية مـساحتها 4 آلاف متر مربع. وصوب خشبية مساحتها 200متر مربع. ومن أقسام الحديقة حديقة للورد بها 150 صنفا، ومشتل للأشجار والشجيرات، ومبنى به معامل، ومكتبة للبحوث.

اقرأ أيضا:

مقبرة محمود سامي البارودي وقبة ومسجد «الفلكي» على قوائم الهدم خلال أيام

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر