تراث القاهرة التاريخية في مؤتمر: هل تصبح المدينة متحفا مفتوحا؟
تحت عنوان “تراث مدينة القاهرة بين الواقع والمأمول” اختتم أمس المؤتمر السنوي الأول لمركز تحقيق التراث بدار الكتب والوثائق المصرية، والذي أقيم علي مدار يومين، للاحتفاء بتراث مدينة القاهرة العريق بعد اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية في عام 2020 من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم.
عاصمة رائدة
وقد بدأت جلسات المؤتمر الذي افتتحته د.نيفين مسعد، رئيس دار الكتب والوثائق، بكلمتها التي أكدت فيها أن مدينة القاهرة بقسميها التاريخي والخديوي من أهم وأكبر المدن التراثية في العالم، بما لها من موقع متميز وثراء في النسيج العمراني وهو ما يعبر عن تاريخ القاهرة الطويل بصفتها عاصمة سياسية وثقافية وتجارية رائدة في الشرق الأوسط. متابعة أن لموقع القاهرة الاستراتيجي دورا كبيرا في ازدهار التفاعل البشري. وبدوره ساهم في تعدد إنتاج القاهرة التراثي بما يعبر عن تعدد الثقافات والجنسيات التي عاشت فوق أرضها، فضلا عن الدور العلمي والثقافي لها.
وأضافت: أن الاهتمام بتراث القاهرة يعد واجب وطني. مشيرة إلى أنه ساهم في بناء تراث القاهرة ثلاثة محاور هي الزمان، المكان والإنسان مما شكل تراثها المادي واللامادي. مضيفة أن دار الكتب والوثائق القومية باعتبارها الأرشيف الوطني والمكتبة الوطنية لا تدخر جهدا في البحث والدراسة والنشر لكل ما يخص تراث المدن المصرية وعلى رأسها القاهرة للتعريف بالتاريخ والتراث الوطني.
عاش هنا
تناولت أبحاث المؤتمر ثلاثة محاور. المحور الأول عن التراث المادي لمدينة القاهرة. والمحور الثاني عن التراث وترسيخ الهوية في ظل التنمية المستدامة. أما المحور الثالث عن التراث اللامادي لمدينة القاهرة. وذلك بمشاركة 26 أستاذا وباحثا.
وفي كلمته قال أيمن فؤاد السيد: إن وضع القاهرة على الخريطة السياحية والثقافية لمصر كان سببا في ضرورة التوجه للانتباه لها كمتحف مفتوح. لافتا إلى ضرورة الانتباه إلى أهميتها باعتبار جزءا منها مستوحى من الطراز الباريسي. أما المدينة التاريخية الحقيقية تمتد من الجنوب بمنطقة السيدة زينب مرورا بكل الأماكن التاريخية مثل باب الفتوح وشارع المعز وتعد منطقة لا نظير لها في العالم. مما يتطلب إخراج كل الأنشطة التي لا تتناسب مع القيمة التاريخية للمكان. وهذا ما ناقشه المؤتمر مع عدد من التوصيات لوضع المدينة في الصورة اللائقة.
من جانبه أكد د.عبدالحميد مدكور، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، أن القاهرة التاريخية يجب أن تظل حية في قلوب الشباب. وهذا المؤتمر يعد تذكيرا بأهميتها وتوثيق للهوية والانتماء هذا مع مكانة القاهرة وتاريخها التي لا يسع الحديث عنها، والتذكير الدائم بأهمية القاهرة ورموزها كان سببا في تدشين مشروع “عاش هنا” للتعريف بمنازل الأدباء والفنانين والعلماء والفلاسفة والمؤرخين وغيرهم من الشخصيات المؤثرة.
وقالت د.هايدي شلبي، أستاذ العمارة والمشرف على الإدارة العامة للحفاظ على المباني الخارجية والمناطق التاريخية بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، إن التراث لا يقتصر على المباني فقط، لكن عن الأشخاص أيضا الذين نفتخر بتاريخهم. ويأتي مشروع “عاش هنا” للتعريف بكل العظماء الذين عاشوا في أحياء القاهرة وأين خطت أقدامهم.
تحديات القاهرة التاريخية
بخلاف الأشخاص فإن المباني الأثرية تعد سببا في ثراء القاهرة التاريخية. ويقول د.محمود عبدالباسط، مدير عام مشروع تطوير القاهرة، إن المدينة التاريخية يوجد بها 520 أثرا و622 مبنى تراثيا. موضحا أن المزج بين المباني التراثية والأثرية يخلق حالة من الحرص للحفاظ على المدينة، وهو وصف لها باعتبارها مناطق هشة غير قابلة للتطوير وتحتاج إلى مجهود كبير حتى يتم التطوير من خلال البيئة المحيطة بقدر الإمكان مع ترميم المباني.
وأشار مدير عام مشروع تطوير القاهرة، إلى أنه يتوجب التوظيف المناسب للمكان والنظر لخريطته السكانية. خاصة أن القاهرة التاريخية تتمتع بوجود نسبة أطفال مرتفعة، مما يعني أنهم بحاجة إلى أنشطة واحتياجات مناسبة. وهذا بالإضافة إلى أنه هناك 3 معايير تنطبق على القاهرة لتسجيلها مع تمثيلها للحضارات المختلفة. وهذا ما يتضح في النسيج العمراني خاصة مع احتفاظها بتخطيط شوارعها القديمة مثل المعز والأبواب التاريخية التي تعطي للمدينة طابعها المميز برغم وجود عدة سلبيات.
ومعايير تسجيل القاهرة أن تكون تحفة فنية وموضع استقرار بشري مرتبط بالأحداث الحية. موضحا أن ما يميز القاهرة أيضا خرائط مكانية بالعصور مثل العثماني والأيوبي وهو محفوظ في دار الكتب والوثائق.
وبحسب ما قال عبدالباسط تواجه القاهرة العديد من التحديات مثل الأسواق العشوائية. مؤكدا أنها تمثل أزمة كبيرة في القاهرة خاصة أن 10% منها فقط تعد رسمية. وهذا على عكس المفترض أن يكون مثل سوق الصدف والخيامية في خان الخليلي فقط، مما يجعلها بحاجة إلى تشريعات منظمة لحمايتها.
ومن التحديات التي تواجهها القاهرة التاريخية: تعدد جهات الولاية والإدارة بالقاهرة وعدم وجود نظام وخطة إدارة للمدينة. فضلا عن ربط قلب المدينة التاريخية بالمدينة الكبرى. وكذلك عن تدهور البيئة التحتية لعدة مناطق بالقاهرة وارتفاع منسوب المياه الجوفية ببعض المناطق أيضا، مع هجرة سكان المدينة الأصليين وتغيير التركيبة الأصلية. وكذلك التلوث البيئي داخل المدينة الناتج عن تراكم المخلفات، والممارسات الاجتماعية السلبية.
حفظ التراث المادي
تستمر المشروعات للحفاظ على التراث المادي بالقاهرة. ومنها الجهود المستمرة للوحدة الهندسية بمشروع تطوير القاهرة التاريخية. وتقول المهندسة هان ممدوح، المشرفة على الوحدة، إن عملها يرتكز على أرض الواقع في مجال ترميم الآثار وبسبب اختلاطها المستمر بالمجتمع المحلي فإنها دائما ما تنوه على ضرورة وأهمية الحفاظ على التراث من خلال الترميم.
المتحف الإسلامي
وقد شهد المؤتمر افتتاح ثلاثة معارض. معرض إصدارات مركز تحقيق التراث. ومعرض “حكايات القاهرة” وهو فني للوحات مصورة تسلط الضوء على حكايات وشوارع ومعالم القاهرة. وأخيرا معرض عن الحرف التراثية الخاصة بمدينة القاهرة المهدد بعضها بالاندثار.
وسلط المؤتمر الضوء على تراث القاهرة الذي يرتبط بمجال اهتمام مركز تحقيق التراث، ومنه متحف الفن الإسلامي. الذي تحدث عن تجربة تطويره د.أحمد الشوكي، وكيل كلية الآثار للدراسات العليا والبحوث بكلية الآثار في جامعة عين شمس، من خلال مشاركته عن بعد.
أشاد الشوكي بالمتحف الإسلامي باعتباره واحدا من أهم المتاحف على مستوى العالم. حيث يعد جزء من تاريخ القاهرة ويسرد مراحل مهمة جدا منذ نشأة القاهرة حتى العهد الحديث ودورها في تنوع البلاد وحضارات البلاد. موضحا أن الفكرة بدأت منذ عهد الخديوي إسماعيل حين شعر بأهمية الأمر.
ومع ازدياد الحفائر والقطع تم تدشين متحف الفن الإسلامي لجمع والحفاظ على آثار القاهرة. وازدادت عدد القطع به من 400 إلى 4400 قطعة بعد التطوير. مع إضافة 3 قاعات جديدة. كذلك الحرص على التواصل المجتمعي وإيصال رسالة المتحف من خلال تنفيذ أول تطبيق وموقع لمتحف مصري.
اقرأ أيضا
«آرت دو إيجيبت».. القاهرة التاريخية ملتقى دولي للفنون بـ 6 مشاريع
4 تعليقات