د. جيهان عمران تكتب: رفيق الدرب الوظيفي

عند الحديث عن شخصية فريدة، نجد أنه من الصعوبة وصفها، ويتمثل هذا في الأستاذ الدكتور عماد بدر الدين أبو غازي، لكونه شخصية ثقافية حضارية تتميز بالفكر التنويري العلمي والبحثي. وهو رفيق الدرب الوظيفي بكلية الآداب جامعة القاهرة منذ تعيينه معيدًا بقسم الوثائق 1983. وببلوغه سن السبعين ـ متعه الله بالصحة والعافية ـ أوضح في سطور بعض من الجوانب المضيئة التي لمستها في شخصية الدكتور عماد، أو «عماد» فقط بدون أي ألقاب كما تعودنا معه. يتمثل هذا الجانب في عطائه المثمر الإيجابي المعنوي لكل من حوله، ذلك العطاء الذي يشًد من أزر صاحبه ليرفعه، وهو ذلك العطاء الذي أشهد به ويشهد به أيضًا جميع زملائه بالقسم.
***
فخلال رحلة الدرب الوظيفي التي قضيتها مع عماد منذ سنة 1983، ومستمرة ـ بإذن الله تعالى ـ فقد تزاملت معه في رحلة إعداد كل من رسالة الماجستير والدكتوراه، فكان خلالها نًعم الزميل والأخ والسند الذي يُعتمد عليه في تذليل المصاعب الإدارية والعلمية لخبرته الحياتية والعلمية. وقد تشاركت معه في تدريس بعض المقررات الدراسية، فكانت من أنجح المشاركات. وبعد الدكتوراه تبدأ مرحلة أخرى وهي مرحلة إعداد أبحاث الترقية لأستاذ مساعد وأستاذ، والتي يسبقها بالنسبة لي فترة زمنية ليست قصيرة، فقد امتدت إلى عشر سنوات كانت خالية من العمل البحثي.
فكان عماد الزميل داثم الحث لي على ضرورة بداية العمل في أبحاث الترقية، وهو الأمر الذي يشكل صعوبة بالغة لمن يعمل في الحقل الوثائقي لصعوبة الوصول إلى موضوعات وثائقية لم يسبق دراستها بعد. فكان عماد بمثابة الشخص المعطاء لوقته، والزميل الوفي الداعم. فقد اعتمدت عليه في اختيار الموضوعات البحثية بعد عرضها عليه، وعندما أجد قبولا منه لموضوع بعينه، أعتكف على دراسته، وبعد الانتهاء منه أذهب إلى عماد بأوراقي البحثية لعرضها عليه، وهنا أكون بمثابة الباحث المبتدئ أمام أستاذي الجامعي المتميز، حيث أحرص على تدوين ملاحظاته بدقة وتنفيذها بالفعل، لأن ملاحظاته بالنسبة لي كانت بمثابة إضافة علمية وتميز للبحث. وهذا ما اعتدت عليه خلال إعداد جميع أبحاثي سواء كانت للترقية إلى الأستاذية أو ما بعدها. فلم يبخل أو يمل عماد الزميل من المساعدة العلمية والعطاء البحثي لي في أي وقت من أوقات عمله.
***
هذا العطاء المثمر الإيجابي لم يتأثر أو ينقطع خلال توليه مهامه الإدارية بالمجلس الأعلى للثقافة، فكانت فترة عمله بالمجلس بمثابة إلقاء الضوء على جانب آخر من هذا العطاء، وهو التواضع مع زملاء دربه الوظيفي. وهذا ما لمسته عند زيارته لمكتبه الخاص بالمجلس الأعلى للثقافة من حسن الترحيب وكرم الضيافة، حيث كانت أبواب المجلس تفتح لاستقبال الزملاء بوجود موعد سابق يعلمه جميع أفراد الأمن وسكرتارية مكتبه. وفي حال زيارته في مكتبه بدون موعد سابق، كان أيضًا يحسن الاستقبال والحرص على عدم انتظار ضيوفه في صالة الضيافة طويلًا.
هذا العطاء والتواضع لم يتغير في شخصية عماد الزميل خلال توليه مهام حقيبة وزارة الثقافة. كما أن حصوله على لقب “الوزير” ثم “الوزير السابق” لم يغير في شخصيته التي اعتدنا عليها منذ كان معيدًا سنة 1983، والتي زادته احتراما وتقديرا بين زملاء الدرب الوظيفي.
وأيضًا أضيف لشخصية عماد النقاء والتي لا يحمل بداخلها أي ضغينة، ولأننا جميعًا بشر يمكن أن نختلف في الرأي أو نتعرض لبعض المشاحنات ـ وإن كانت نادرة الحدوث ـ إلا أنها كانت تنتهي سريعا ولا تستمر طويلا.
***
وكما كان عماد رفيق سنوات درب وظيفة العمل بالكلية، فقد أسعدني وكان ذلك من حسن حظي اللقاءات المتميزة مع الأم السيدة الفاضلة رعاية حلمي ـ رحمه الله عليها ـ بنادي المعادي وأحاديثها الممتعة والشيقة الجميلة بصحبة الأخت العزيزة الأستاذة الدكتورة نادية أبو غازي.
وأخيرَا، شكرًا للدكتور عماد أبو غازي رفيق الدرب الوظيفي حيث كان ومازال خير الزميل والسند والأخ والأستاذ. متعك الله بالصحة والعافية.
أستاذ الوثائق بكلية الآداب – جامعة القاهرة
اقرأ أيضا:
ليلى بهاء الدين تكتب: «كأني عدت إلى المنزل»