“بهجت” يتحدث عن الأراجوز ورحلة ١٨ عاما لتوثيقه في اليونسكو
كان حينها ابن الرابعة من عمره عندما تعرف على الأراجوز، الذي كان يقدم عرضا في أحد شوارع محافظته الشرقية، لتدهشه قدرة هذه الدمية على صنع البهجة، لاسيما فى نفوس الأطفال، ليتعلق به ويظل متذكرا هذا المشهد حتى وصل إلى الجامعة.
ورغم دراسته المسرح الإيطالي باحتراف، إلا أنه ظل يشعر بغربة تجاه هذه المسارح الإيطالية، حيث كان يؤمن بأن مسرح الشارع والشوادر والموالد هى التى تنتمي لنا وننتمي لها كهوية مصرية ذات طابع فكاهي وبسيط دون تكلف، ليقرر أن يتنحى من هذه المسارح ويتجه إلى ما تعلق به قلبه وأمر به عقله بالعمل عليه وهو الاهتمام بتراثنا الحقيقي الذي يقدم من خلال “الأراجوز وخيال الظل”.
مؤسس فرقة الأراجوز
إنه الدكتور نبيل بهجت، كاتب ومخرج مسرحي، مدير ومؤسس فرقة ومضة لعروض الأراجوز وخيال الظل، وأستاذ ورئيس قسم المسرح بجامعة حلوان، يحكي لنا تفاصيل علاقته بفن الأراجوز والتى استمرت 18 عامًا، نجح خلالها فى وضع الأراجوز على قوائم الصون في اليونسكو، ليكون بذلك اعترافا أمميا بأحد الفنون الشعبية المصرية.
يقول بهجت إن القصة بدأت من هذه المشهد فى طفولتي، فتحمست لهذا الفن بشكله الفطري وجذبني له اللاعبون الشعبيون، وأدركت مدي أهمية ما يقدمونه وما يحملونه من تراث، وعندما درست المسرح وجدت أن هناك غربة بيني وبين المسرحية الايطالية وشعرت أنها لا تنتمي إلينا، وإنما مسرحنا هو مسرح الحقول ومسرح الأسواق والأفق المفتوحة، مشيرا إلى أنه قرر العمل على المسارح ذات المفردات العربية والمصرية “مسرح مفرداته الأراجوز وخيال الظل والراوي” على حد قوله.
فن الأراجوز والدراسة
ويكمل: بدأت أكتب للأراجوز من خلال دراسته، اعترفا مني بهذا الفن الذي تم إنكاره والتنكر له والتنصل منه فى ظل الاهتمام بالفنون الرفيعة، والتي هي ما لدي الأخر وليس ما تحتويه جذورنا المصرية.
“محاولتي لإعادة إحياء خيال الظل استعادة الكرامة والثقافة المصرية لهذه الفنون” هذا هو هدف “بهجت” الذي وضعه نصب عينه حين بدأ في نشر فكرة الأراجوز، والذي لم يكن موثقا لا بصورة أو صوت، ليتعرف على لاعبي الأراجوز ويقدم من خلالهم 45 عرضا تجريبيا في شوارع القاهرة مع أخذ الموافقات الأمنية، ليجد تجمع الناس حول الدمية الشهيرة، ليدرك أنه فى حاجة إلى استعادة هذه الفن.
كتاب نمر الأراجوز
“عمل ذاكرة وأرشيف” هو محور كتابه عن “نمر الأراجوز” والذي من خلاله أدرجه فى قوائم اليونسكو.
ويوضح أنه بذل مجهودا كبيرا في توثيق فن الأراجوز، خاصة بعد رفض لاعبي الأراجوز شرح تفاصيل اللعبة. مضيفا “كانت سرا لا يريد أحد البوح به، وعليه رفضوا الفكرة. بل ورفضوا الدكتور بهجت نفسه، إلا أن قام بمعايشة مع هؤلاء من خلال الدخول إلى بيوتهم والجلوس معهم والتعرف على تفاصيلهم، ليطمئن له اللاعبون. ويفتح بذلك مجال للحديث المتبادل معهم عن الأراجوز وأسره وأدواته”.
الأمانة المسؤولة عن صوت الأراجوز وعدد النمر والعرائس؛ كانت من التفاصيل الهامة التى حصل عليها بهجت. مؤكدا أنه جمع هذه التفاصيل مع الصور التى التقطها، ليسوقها على الانترنت، لنشر ثقافة الأراجوز.
ويقول بهجت إ ملف الأراجوز أعده منذ 5 سنوات بجهد وتمويل شخصي، وتراكمت فيه خبرات 18 عامًا تقريبا، بهدف تقديمه لليونسكو.
محتويات الكتاب
وعن محتويات الكتاب، يوضح بهجت أنه يجمع كل تفاصيل الأراجوز وهو مصور وباللغة العربية والإنجليزية، ولأن نمر الأرجوز 19 نمرة، ألحق بالكتاب 19 فيلما وثقائيا عن هذه النمر المختلفة، ونشر في المجلس الأعلي للثقافة، كما أن الملف جاوب على أسئلة ماهية هذا الفن وماذا قدمه قبل ذلك، وما التصور المستقبلي الذي سيكون عليه، موضحًا أنه رفض الاعتماد على النمط التقليدي للدولة ومن ثما رفض أى تمويل سواء داخلي أو خارجي، فقام بتمويل الكتاب من حسابه الخاص، ليكون من إعداده وإنتاجه وكتابته.
“إزاي نعمل مشروع نوفر من خلاله فرص حقيقة للاعبين” كانت هي فكرة حماية وتطور الدمية من الاندثار، وهو جزء من الملف المقدم في اليونسكو، وذلك من خلال تنظيم ما يشبه بمدرسة تدريبية ليتعلم فيها الأطفال والجيل الجديد، والعمل على جعله متاحا وقابل للاستهلاك في كل مكان، مؤكدًا أن كل دول العالم تتحدث عن الأراجوز وتتداول أفكار هذه الدمية المصرية.
إنتاج العروض بعيدا عن التمويل
ويري بهجت أنه لا يجب الاعتماد على جهات تمويل. لأنه طول الوقت هذه الجهات لها أجنداتها الخاصة. وحتى إنتاج الدولة للعروض يكلفها مبالغ باهظة والنتيجة عدد محدود من الجمهور لا يتجاوز 600 شخص. لذا يركز هو على إنتاج العروض بشكل شخصي.
“الفن منتج وعلينا أن نحرص على خلق سوق حقيقي له” يقتنع بهجت بهذه الفكرة. وبناء عليها أسس فرقة ومضة عام 2003 على أساس تقديم ما نستطيع أن نعبر عنه. منوها إلى أنه وأعضاء فرقته يعرفون أن الثقافة منتج. وهما يمتلكون منتجا بحجم الثقافة استطاعوا الاعتماد عليه. وفرقة ومضة لديها روية ترفض من خلالها قبول تمويل من أي جهة.
وقد قدمت فرقة ومضة على مدار 15 عاما تقريبا 36 عرضا مسرحيا، من تأليف وإخراج الدكتور نبيل، كما قدمت عروضا في 30 دولة تقريبا بمشاهدة الملايين، ففي أمريكا فقط قدمت 121 عرضا بمشاهدة 40 ألف شخص، و 12 عرضا في نيويورك وأسطنبول والكويت وتونس وباريس، بالإضافة إلى تنظيم ورش داخل وخارج مصر.
فرقة ومضة
كما صنعت فرقة ومضة جيلا من الشباب، أمثال على أبو زيد، مصطفي الضباغ، وصلاح بهجت محمود سيد حنفي. وأصبحوا كنوز بشرية، لأنهم المحركين المحليين الوحيدين الآن لخيال الظل، والمشاركين بدور الملاهي.
أما عن دورها في تطوير هذا الفن. فيشير مدير الفرقة إلى أنها لعبت دورا هاما في الحفاظ على تقديم نموذج حقيقي للفن وصناعة فكرة جديدة للإنتاج. وهي فكرة الفردية التى يجب على وزارة الثقافة التأكيد عليها، لأن الرهان الحقيقي في الفن أن تؤكد على الفردية. فالفرد يستطيع أن يصبح دولة، والمثقف دولة قائمة بذاتها.
ويتمنى بهجت الاستفادة من تجربة فرقة ومضة في جميع المجالات. مؤكدا أن علينا نستفيد من هذه القوي الناعمة. فمصر تحتوي على رموز حقيقة نقدمه للعالم. كصوت أم كلثوم ولحن عبدالوهاب، وأدب نجيب محفوظ، وعمارة الفرعنة مصر. مؤكدًا أن هذه الفنون ستكون مصدر اقتصادي مهم لغزو العالم بها وتحقيق ربح حقيقي.
تعليق واحد