بهاء في القدس: رحلة الأيام الخمسة

“نابلس المدينة العربية من المدن التي وقعت في حبها من النظرة الأولى، زرتها مرة واحدة وقضيت فيها يوما أو بضع يوم وأصبحت على الفور قطعة عزيزة من نفسي ويوم بكيت المدن العربية وهي تسقط في أيدي العدو بكيت نابلس بكاء خاصا وساعتها قفزت إلى مخيلتي على الفور كل الوجوه التي عرفتها هناك وكل المرافق والآثار وكل المشاهد، الحديقة العامة التي تتنزه بها العائلات واسمها اليوم حدائق جمال عبدالناصر”.. بهذه العبارات وصف أحمد بهاء الدين رحلته الأولى والوحيدة لنابلس، التي شملت أيضا زيارة القدس والخطوط الأمامية وخطوط الهدنة مع إسرائيل في الضفة الغربية في القدس وطولكرم وقليقلة.

وكانت تلك الزيارة في يونيو 1965 قبل النكسة بعامين بالتمام، وبدأت هذه الرحلة كما يرويها “حافظ داود طوقان” رئيس بلدية نابلس والصديق الشخصي لبهاء حين زار حافظ طوقان بهاء في مكتبه بدار الهلال في إبريل 1965 وحدثه كثيرا عن القوافل الإسرائيلية التي تخرج كل شهر مرة واحدة من القدس الغربية المحتلة مخترقة شوارع القدس الشرقية عبر شوارعها العربية لتصل إلى مباني الجامعة العبرية ومستشفى هداسا لتغيير الجنود الإسرائيليين الموجودين هناك وفق ترتيب معين نصت عليه اتفاقية الهدنة الأردنية الإسرائيلية عام 1949، ثم حكى طوقان عن السيارات الإسرائيلية المصفحة ذات النوافذ الصغيرة وبداخلها جنود إسرائليون لا يستطيع أحد أن يراهم وتتم هذه العملية مرة كل شهر.

سلم على جمال

كان بهاء يستمع باهتمام شديد.. وقال على الفور: من الضروري أن أزور القدس والضفة الغربية والخطوط الأمامية في وقت قريب. واتفق مع طوقان ألا يعلم أحد بأمر هذه الزيارة لأنه لا يريدها رسمية. وبالفعل كان بهاء يوم 10 يونيو 1965 يقف على أرض فلسطين ونزل بفندق ألامبسادور في القدس.

ويقول حافظ طوقان: أذكر حينما وصلنا مدخل حي الشيخ جراح الشهير عند مدخل القدس الشمالي.. وهو الطريق الموصل من وإلى مطار القدس ومدينة نابلس مرورا بمدينة رام الله.. سألني بهاء: ما هذا المبنى الذي أراه أمامي؟

أجبت أنه الفندق الذي ستنزل فيه وطلبت إليه أن ينظر نحو الغرب حيث بدت القدس الغربية المحتلة.. وبدت معها البيوت ذات الطابع العربي المسقوفة بالقرميد.. والتي اضطر أصحابها إلى تركها بعد معارك القدس عام 1948. فسأله بهاء: عن اسم تلك المنطقة فأجابه إنها القدس المحتلة يا أستاذ بهاء وهنا طلب أن يتوقف ونزل من السيارة ليجد نفسه على بعد مئات الأمتار فقط من إسرائيل.

وراح ينعم النظر باتجاه القدس المحتلة، وقد بدت عليه أمارات التأثر الشديد والحزن العميق.. وكان ذلك مرسوما على وجهه الذي كان قبل قليل ضاحكا منشرحا.. وهو يقف في مطار القدس وسط ترحيب حار وعفوي من العاملين الذين تعرفوا عليه، وفي هذه الرحلة أقبل على بهاء طفلا مقدسيا وقال له “سلم على جمال عبدالناصر وأخبره أن القدس تريد أن تراه”. واستمرت زيارة بهاء خمسة أيام شملت زيارة القدس والخطوط الأمامية وخطوط الهدنة مع إسرائيل في الضفة الغربية في القدس وطولكرم وقليقلة تحدث خلالها مع المواطنين الذين كانوا موجدين في تلك المناطق يقومون بزراعة ما بقى لهم من أرض وبقية أراضيهم يفصلهم عنها خط الهدنة والسلك الشائك حيث ضاعت أكثرها منهم وأصبحت داخل فلسطين المحتلة لا يستطيع أصحابها الوصول إليها وهم يشاهدونها كل يوم.

إسرائيليات

بعد هذه الزيارة بعامين بالضبط اندلعت حرب 5 يونيو 1967، وراح كل ما بقى من فلسطين بالإضافة إلى سيناء والجولان، وكتب بهاء متذكرا هذه الزيارة في سبتمبر 1967 بمقال بعنوان “نابلس والخبر المر”، وفي أكتوبر من نفس العام بدأ بهاء في كتابة سلسلة تحقيقات في مجلة المصور تحت عنوان”اقتراح دولة فلسطين” وهي التحقيقات التي أحدثت ردود فعل متباينة وقد جمعت فيما بعد في كتاب، وقبل ذلك كان الصراع العربي الإسرائيلي في بال وعقل بهاء، فقد كتب بعد قيام إسرائيل بسبعة أعوام دراسته الشهيرة “إسرائيليات” وكان من أوائل المطالبين بدراسة إسرائيل من الداخل دراسة جادة وقال محذرا: “إن إسرائيل لا تقنع بما حققت بل إنها لا تكف عن طلب المزيد من الأرض العربية بهدف التوسع”.

اقرأ أيضا

ملف| أحمد بهاء الدين.. جماليات الكتابة الديمقراطية

قصة اللقاء الأول بين بهاء وروزاليوسف

معارك بهاء: لم يحارب طواحين الهواء

عندما هدده كامل الشناوي بنشر قصائده: بهاء شاعرا

نجيب محفوظ في أوراق غير منشورة: ضرورة أحمد بهاء الدين

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر