بعد اقتراب نقلها.. محطة «الزهراء» التاريخية بين الحاضر والمستقبل
خلال شهور قليلة ستنتقل خيول محطة الزهراء إلى مدينة مرابط بالعاصمة الإدارية الجديدة. وهو ما آثار العديد من التساؤلات حول مصير أرض الزهراء بعد نقل الخيول إلى المدينة الجديدة. هل تظل كرئة تتنفس من خلالها المدينة أم سنفقد مساحة خضراء جديدة كانت متنفسا؟.. «باب مصر» سألت عددا من المسؤولين في وزارة الزراعة ومحافظة القاهرة لكن لم نتلق إجابة.
ما هي قصة المحطة وتاريخها.. وقصة السلالات المصرية من الخيول؟ هذا ما نرصده في هذا التقرير.
جولة في المحطة
على طريقة الريد كاربت (السجادة الحمراء) الشهيرة داخل حفلات هوليود السينمائية. تجد ردهة طويلة من الرمال والأشجار المتراصة على جانبي الطريق المؤدي لمركز إدارة المحطة، التي تتبع الهيئة الزراعية المنبثقة من وزارة الزراعة. لا يمل السائر بها من طول المسافة حتى نهايتها والوصول إلى مكتب مدير المحطة الذي لا يخلو من الصور وتاريخ النسب والجوائز الخاصة بخيول «الزهراء» العريقة.
تتزين الجدران بالعديد من الصور التي توضح نسب الخيول الممتد إلى قبل مئات الأعوام. ومازالت المحطة بنفس الشكل القديم ويتواجد بها الكرسي القديم الذي جلس عليه الملك فاروق لمشاهدة الخيل. وتمتد على مساحة 55 فدانا. وتختص بالإشراف على جميع المزارع الخاصة لتربية الخيول والتي تتجاوز الـ1000 مزرعة بهدف الحفاظ على سلالات الخيول العربية الأصيلة.
وتحدث لـ«باب مصر» الدكتور محمد معتوق، أستاذ رعاية الخيل بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة والمستشار الطبي لـ«لمحطة الزهراء». وقال إن المحطة تعد واحدة من الأماكن التاريخية في مصر، فضلا عن قيمتها الأثرية والمادية باعتبارها مصدر دخل للاقتصاد المصري.
مستجدات النقل
وبحسب توجيهات رئاسية قبل أعوام، تخضع المحطة الآن لمتابعة مطالب النقل. وكان قد أصدر الدكتور عزالدين أبو ستيت وزير الزراعة السابق، قرارا برقم 526 لسنة 2019. بتشكيل لجنة من كبار المتخصصين لدراسة مقترح نقل محطة الزهراء إلى مكان جديد.
ويتطلب الخيل خاصة العربي الأصيل المُرفه معايير خاصة للتربية. ومنها توفير مساحات واسعة وبيئة صحية وهو الأمر الذي تأثر في المحطة الحالية بسبب الزحف العمراني المحيط بها في موقعها الحالي. وقال مصدر مسؤول بوزارة الزراعة لـ«باب مصر»: إنه يتم العمل على نقل المحطة إلى العاصمة الإدارية الجديدة باعتبارها جزء أساسي من مدينة “مرابط” للخيول التي سيتم تدشينها في العاصمة الإدارية الجديدة.
مطالب سابقة
ولكن إجراءات النقل الحالية لا تعد الأولى. إذ بدأت رحلة البحث عن مكان مناسب للخيول منذ عام 2009. ولكن ظل الأمر قيد الدراسة والبحث عن مكان يصلح لتربية الخيول دون الحاجة إلى نقلها مرة أخرى. وكانت قد مرت بمراحل التنقل من مكان إلى آخر قبل مائة عام بعدما جمع الخيول الملك فؤاد عن طريق الهدايا من مربو الخيول. ومنهم علي باشا شريف، والليدي برانتس عاشقة الخيول، وعباس باشا الأول، وشراءها من الأمير كمال الدين حسين، والأمير محمد علي، وعباس باشا الثاني.
واختار للخيول الأصيلة أكثر من مكان وصولا إلى المكان الحالي، واختار لها مكان في منطقة شبرا ودشن محطة حملت اسم «اسطبلات بهتيم» في عام 1898 ولكن بسبب الأرض الطينية غير الملائمة لتربية الخيول وضيق مساحتها. ويتابع د. معتوق أنه تم نقلها لموقع المحطة الحالي في عام 1928. وكان اسمها «اسطبلات كفر فاروق» نسبة للملك فاروق حتى تم تغيير اسم المحطة للاسم الحالي وتميزت بالأرض الصحراوية والمناخ الجاف الملائم لتربية الخيول.
إهمال يغزو المحطة
تتبع المحطة أسلوبا بدائيا في تربية الخيول والتخلص من الفضلات. ويتضح ذلك من خلال العنابر القديمة وحريق مخلفات الخيول دون استخدام طرق حديثة للتخلص منها، فضلا عن المناخ غير الصحي للخيل وتأثره بالزحام العمراني المجاور للمحطة من أدخنة وعوادم سيارات تجعل الخيول العربية تفتقر الجو المناسب.
ولكن لم تمنع عراقة المكان من تسلل الإهمال إليه. وتضم المحطة أجمل الخيل العربي الأصيل، ومنهم الحصان «تجويد» الذي يصنف الحصان الـ17 من ضمن 20 حصان الأكثر جمالًا حول العالم، والذي مات في عام 2018 بسبب إصابته بسرطان في الحنجرة، ويصل ثمنه إلى 10 ملايين دولار.
ويرجع سبب وفاة الحصان النادر الذي تقدر قيمته بـ170 مليون جنيه بسبب تدهور حالته الصحية وافتقار المحطة لوجود الجراحات للحيوانات.
قضية فساد
من ضمن الإهمال حالة البنايات وعنابر إيواء الخيول بالإضافة إلى مشاكل الصرف الصحي، والمياه والكهرباء، والمخالفات التي تتجاهلها الهيئة حتى الآن، والتي تقدر بنحو 5 أطنان يوميا، والتي تشكل خطورة على حياة الخيول والمواطنين بسبب نشر العدوى، والأوبئة، والتي تسببت في عام 2017 إلى زيادة نفوق الخيل ليتخطى الرقم 50 مُهرا. خاصة بعد المذبحة السابقة التي حدثت بسبب انتشار فيروس بين الخيول. وفقًا لما قاله الدكتور مسعد قطب رئيس الهيئة الزراعية السابق والمدير السابق لمحطة الزهراء لـ«باب مصر».
ولم تستطع المحطة السيطرة حينها على انتشار الفيروس السابق نتيجة لتأخر الاستجابة في توريد المسلتزمات الطبية. فضلا عن نشوب اشتعال ذاتي لهذه المخلفات وتصاعدت الأدخنة بالمنطقة بالكامل. مما دفع الأهالي إلى التظاهر في اليوم التالي مطالبين بإغلاق المحطة لما تسببه من أضرار صحية، وتهديد لحياتهم.
وكانت واحدة من أهم القضايا التي تم التحقيق فيها هي نفوق الخيل. وخلط في الأنساب؛ وسرقة السائل المنوي للأحصنة الأصيلة التي لا تقدر بمال. وتم انتهاء التحقيق في القضية في عام 2016 بمحاسبتة الإداريين المسؤولين.
وبسؤال المدير السابق لمحطة الزهراء، “هل فكرة النقل متأثرة بقضية الفساد السابقة في المحطة ؟”. أجاب قائلا: “لا، ولكن الجمهورية الجديدة حاليا تضم كل ما هو مميز ومن ضمنها الخيل التي تتميز به مصر، ووضعه في الوضع العالمي الذي يستحقه. وعن قضية الفساد فإنها قضية فردية إدارية انتهت بالحساب المطلوب للمخطئين ولم تؤثر على الدم النقي للخيل”.
اقرأ أيضا
أصحاب الدم النقي.. كيف تُدار ثروة الخيول الأصيلة بمحطة الزهراء التاريخية؟