النسيج اليدوي.. فن باقٍ منذ عصر الفراعنة
النسيج اليدوي، الذي يشمل صناعة الكليم والسجاد يدويا، ضمن أحد أقدم وأعرق الصناعات اليدوية والتراثية في مصر، وتبرز بشكل كبير وقديم في محافظة كفر الشيخ الواقعة في أقصى شمال مصر.
يقول محمد أبو بكر، عامل في ورش النسيج اليدوي بمدينة فوه التابعة لمحافظة كفر الشيخ، إن المدينة اشتهرت منذ القدم بصناعة الكليم والسجاد اليدوي.. لذا يعد العاملين في المهنة من أمهر الصانعين.
يتابع أن مدينة فوه بكفر الشيخ تعتبر قلعة الصناعة اليدوية في مجال الكليم والسجاد اليدوي بمصر.. ويعمل قرابة 90 في المائة من أبناء تلك المدينة في الصناعة اليدوية.
صناعة النسيج اليدوي
ويقول محمد عمر، أحد صانعي الكليم والسجاد اليدوي في كفر الشيخ، إن مدينة فوه بها نحو 50 مصنعًا، و5 آلاف ورشة صغيرة، لتصنيع الكليم والسجاد اليدوي، إذ إن الورش الصغيرة تنتج السجاد والكليم بشكل يدوي، أما المصانع فدخلت في تلك الصناعة، في محاولة لإنتاج كميات أكبر من السجاد والكليم، فضلًا عن أن التطور التكنولوجي أدخل تلك المصانع والماكينات.
صانع النسيج اليدوي “السجاد والكليم” يتابع أن أبرز الألوان في الكليم والسجاد تكون الأرزق والأصفر والأحمر، والألوان التى تعطي رونقًا جماليًا للكليم أو السجاد.
يضيف عمرو أن الكليم والسجاد اليدوي.. هما شيء واحد ويصنعا من الصوف، لكن الفرق بينهما يكون في كثافة الغرز والعقد.. إذ إن غرز الصوف في السجاد يكون مضاعف عن الكليم.
الرسومات ودلالتها
يتابع أن الكليم والسجاد اليدوي، تكسوه العديد من الرسومات المختلفة، التى تعبر عن التاريخ المصري القديم والحالي، والمستمد من الطبيعة المصرية والريفية، وتتنوع ما بين رسومات الأراضي الزراعية والطيور والعصافير والأهرامات والمساجد.
ويبرر الصانع أن تلك الرسومات تعبر عن الطبيعة المصرية الأصيلة، فالأهرامات تعبر عن تاريخ مصر الفرعوني، والمساجد تعبر عن تاريخ مصر الإسلامية، كما أن تلك الروموز والرسومات موروثة ولم تتغير حتى الآن، رغم قدم الصناعة.
أسعار النسيج اليدوي
يبلغ سعر المتر في الكليم اليدوي نحو 150 جنيهًا، أما سعر المتر في السجاد اليدوي يتراوح بين 600 إلى ألفي جنيه، وذلك بسبب الوقت الذي تستغرقه صناعة السجاد وكثافة الغرز، وعلى أساسهما يتحدد السعر.
محمد عادل، أحد صناع الكليم والسجاد اليدوي بكفر الشيخ، يقول إن الكليم والسجاد اليدوي، يصدر عقب الإنتاج من مدينة فوه إلى العديد من الدول العربية والأجنبية.
يتابع أن المئات من التجار والشركات الكبري يشترون المنتجات اليدوية من الصناع في مدينة فوه، ومن ثم يتولون مسؤولية توريد وتصدير تلك المنتجات إلى الدول أو الأسواق المحلية المصرية.
ويذكر أن المهنة في كفر الشيخ بدأت تواجه كسادًا عقب ثورة 25 من يناير، بسبب انخفاض أعداد السائحين القادمين إلى مصر، إذ إن السياحة كانت تساعد على عملية البيع في الأسواق المصرية بنسبة تصل إلى 30%، من إنتاج في المصانع والورش المختلفة.
النسيج وحضارة البداري
ويقول الدكتور عاطف نجيب، مدير المتحف القبطي بمصر، خلال دراسته التى أعدها عن تاريخ غزل النسيج، أن تلك الصناعة من أقدم الصناعات التى عرفها المصريون القدماء، وبدأ التطور الأساسي في صناعة المنسوجات في حضارة البداري أو قبلها.. وكان الكتان من أشهر الألياف التي استخدمت في صناعة النسيج.. أما الصوف فقد كان نادر الاستخدام في العصر الروماني.. وكانت الخيوط تغزل يدويًا بواسطة النساء في العصور المصرية القديمة سواء الرومانية أو الفرعونية.
ويذكر عزت علي، باحث في تاريخ الصناعات اليدوية القديمة، أن صناعة السجاد والكليم اليدوية، ظهرت في مصر منذ العصور الفرعونية القديمة.. وكانت تشهد رواجًا كبيرًا في عصر محمد علي باشا، وذلك عقب إصدار قرارًا بإنشاء مصنعي غزل في مصر.
عصر محمد علي
ويلفت الباحث أن مدينة فوه بمحافظة كفر الشيخ، اشتهرت في عصر محمد علي باشا مطلع القرن التاسع عشر.. إذ كانت مركزًا مهما لإنتاج الكتان والطرابيش والكليم وسجاد الحرير الفخم.. وكان محمد على يقدمه ضمن هداياه للملوك والأمراء.
ويتابع الباحث في تاريخ الصناعات اليدوية، أن محمد علي باشا أصدر قرارًا بإنشاء مصنعين لغزل القطن والكتان عام 1820.. وبعد إنشائهما كانا يصدران كميات كبيرة جدًا من الكليم والسجاد اليدوي إلى الدول العربية والأجنبية.. واعتمدت العديد من الدول على استيراد تلك المنتجات من مصر، وهو ما فتح المجال أمام تلك الصناعة للازدهار.
المصريون القدماء
ويورد أن صناعة النسيج والكليم والسجاد اليدودي، بدأت في مصر خلال العصور القديمة.. فقد اشتهر الصانع والحرفي المصري بتلك الصناعات منذ عهد القدماء المصريين مرورًا بالعهد الروماني ثم الإسلامي.. واشتهرت مصر الفرعونية عبر العالم القديم بكتانها، الذي كانت النساء يقمن بإنتاجه في ورش النسج.
يمتد تاريخ صناعة النسيج اليدوي في مصر إلى عصور قديمة، فقد اشتهر الدولة المصرية بتلك الصناعة.. منذ عهد القدماء المصريين مرورًا بالعهد الروماني ثم الإسلامي.. واحتفظت تلك الصناعة بطابعها التقليدي القديم حتي الآن.
وبحسب عاطف قناوي، مفتش آثار بوزارة الآثار المصرية، فإن المنسوجات المصرية اليدوية، بدأت في العصر الفرعوني.. مرورًا بالعصر اليوناني الروماني، والقبطي، والإسلامي، والأموي ثم العباسي والطولوني والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني.. ثم عصر الدولة الحديثة متمثلة في عصر محمد علي.
براعة القدماء المصريين
قناوي ألمح إلي براعة القدماء المصريون في صناعة المنسوجات اليدوية.. إذ احتاج إليها الفراعنة في ملابسهم لتقيهم حر الصيف وبرودة الشتاء.. وفي المنزل صنع منها فتيل لمبات الإضاءة ومفروشات وأغطية له ولحيوانات حقله.. وفى تجارته لمقايضتها بالمنتجات الأخرى.. وفي تنقلاته من شراع المراكب وحبالها، وفي معابده لتقديمها كقرابين للآلهة.. وفي شعائره الجنائزية من تحنيط لجسده ولفه باللفائف الكتانية لينعم بالحياة في العالم الآخر.. وقرابين توضع في مقابره من ملابس ومفروشات وأطعمة محنطة كانت تغلف بالنسيج.
الغزل والنسيج
أجاد الفراعنة غزل ونسج ألياف الكتان رغم صعوبة هذه الخامة.. وقد حرص المصريون القدماء على تمثيل مناظر غزل ونسج الكتان على جدران مقابرهم.. وعلى الرغم من الكشف عن ملابس ومنسوجات في المقابر والمواقع السكنية المصرية القديمة.. كذلك بعض النصوص المتعلقة بصناعة المنسوجات التي نُقشت على جدران المعابد أو كتبت على صفحات البردي، وشقف الفخار وكسر الأحجار.. وما كتبه المؤرخون القدماء عن مصر القديمة، إلا أنه لم يتم الكشف حتى الآن إلا عن القليل من أسرار صناعة النسيج في مصر القديمة.
العصر الفرعوني
كما كانت صناعة النسيج في عصر الفراعنة، تمارس في كل من المنازل، والمصانع، والقصور، والمعابد.. وفي البداية كان يمارسها بعض أو كل أفراد الأسرة بما يحقق الاكتفاء الذاتي لهم من الملابس.
أما ما كان يزيد عن حاجاتهم فقد كان يتم تبادله بمنتجات أخرى من مستلزمات الحياة اليومية.. لقد كانت المعابد تحتاج إلى كميات كبيرة من الأقمشة كأجور للكهنة.. وكأقمشة تستخدم في طقوس الخدمة اليومية، كأردية المعبودات، والأعلام التي تعلو ساريات المعبد.. ما دعا إلى وجود ورش خاصة بالمعابد لصناعة الأنسجة.
العصر البطلمي
صناعة المنسوجات اليدوية امتدت إلى العصر البطلمي (333 -30 ق.م)، وزين بطليموس الثاني زورقه وخيمة الاستقبال الرسمية لزواره بالمنسوجات اليدوية، كما احتوى قصره على معلقات بالحجم الطبيعي، وأشرفت الدولة في العصر البطلمي على صناعة المنسوجات والرقابة على زراعة الكتان، وانتشرت المنسوجات المزدانة بالرسوم متعددة الألوان.
وبحسب مفتش الآثار المصرية، فإنه في العصر الروماني (30 ق.م.- 325م)، انشأ الأباطرة الرومانيون مصانع الجينسيوم التي كانت تُعرف بمصانع النسيج الملكية بمدينة الأسكندرية عاصمة مصر في ذلك الوقت، وبدأ في عهد الرومان نسج المنسوجات الحريرية المختلفة والمتنوعة.
العصر القبطي
ومع انتشار المسيحية في مصر في عام (325م – 641م)، برزت المنسوجات اليدوية بشكل كبير، وامتزجت بالديانة المسيحية، إذ كانت الرسومات التي تغزل علي المنسوجات تعبر عن الديانة مثل صور السيدة مريم العذراء، واستخدمت الأقمشة في الكنائس والأبنية العامة كستائر، وكذلك كأغطية للأسرة، ومفروشات ومناشف، وأغطية مناضد، وأكياس وحقائب.
قناوي قال إنه في العصر الإسلامي شهدت صناعة المنسوجات في مصر ازدهارًا كبيرًا بعد فتح العرب لها (641م/21هـ)، إذ عمل المسلمون على تشجيع وتطوير وتنمية صناعة المنسوجات، وأصبح إنتاج الأقمشة الرقيقة من أهم مميزات الفنون التطبيقية الإسلامية عامة.
تعليق واحد