"النحاسين" وورشة شهاب.. من هنا خرجت عربة "الفشار"
في حي النحاسين، أحد مناطق حي الجمالية يخطف بصرك عربات “فشار” مختلفة الأشكال والألوان مرصوصة جنبًا إلى جنب بطول الشارع، لتكتشف فيما بعد أنها “معارض كبيرة”، بجوار بعضها تتبع ورشة لصناعة هذه العربات، ويعمل فيها أكثر أهالي المنطقة.
كثيرًا ما نرى عربات “الفشار والغزل والزلابيا” في أماكن عدة، لكن لم يخطر ببالنا أن وراء هذه المهن صناعة يدوية قائمة منذ عشرات السنين، تطورت من عام لآخر، وما زالت تصنع بشكل يدوي، متجاهلة الطفرة التكنولوجيا في أغلب الصناعات، لعل ذلك هو ما يميزها، لكن المثير في الأمر عندما تعلم أن عربة صناعة “غزل البنات”، كانت في الأصل “غسالة”.
ورشة شهاب
هناك في منطقة النحاسين بالجمالية- إحدى أشهر المناطق الأثرية القديمة في الصناعات اليدوية بالقاهرة وتضم عشرات الورش-، داخل واحدة من أكثر الورش قدمًا والعاملة في الصناعات اليدوية وصناعة عربات “الزلابيا وغزل البنات” “ورشة شهاب”.. غرفة كبيرة مليئة بالألواح “الصاج” مختلفة الأشكال والأحجام تتوسطها ماكينة يعمل عليها 4 شباب، تبدأ عملية صناعة العربة، التي لجأ إليها مئات الخريجين لكسر جزء من أزمة البطالة.
أحد العمال يشرح طريقة ومراحل صناعة العربة “يوضع اللوح على بنك التفصيل، ويخرج منه ليوضع على “تمّاية” الصاج والمعدن، ومنه إلى ماكينة اللحام لتجميعه، ليذهب بعد ذلك إلى “البودر” يتمعجن ويترش، ويركب لها إكسسوارات مثل العجل والفانوس”.
الأصل غسالة
كانت الغسالات أولى مراحل تطور صناعة عربات “الغزل والفشار”، عندما قرر محمد شهاب، 35 عامًا، السير على نهج والده صاحب الورشة في صناعة الغسالات منذ عام 1972، وبعد أن حلّت الغسالات الفل أوتوماتيك” محل العادية، قال “بدأنا في تصنيع عربات الفشار والغزل ومنها إلى الكريب وغيرها، والتي يستغرق صناعتها 48 ساعة فقط، فطريقة صناعة حلة الغسالات وعربات الشباب هذه واحدة، ولكن الاختلاف في ماكينة كل مهنة”.
يقول محمد “والدي يعمل في هذه الصناعة منذ 1972 على مراحل، كانت في البداية من الغسالات البيتي العادية، استانلس ستيل، ثم كروم، وحاليًا صاج أسود “بودر”، وورثتها عنه، وابني يعمل بها حاليًا والشارع ده كله معرض تبعنا”.
شبح ارتفاع الدولار
لم تسلم صناعة العربة كغيرها من الصناعات من شبح ارتفاع سعر الدولار، سواء في سعر الخامات الواردة أو المكن أو عملية النقل والشحن، أو العاملين في المهنة ومتطلباتهم الحياتية التي تتأثر بارتفاع الدولار في السوق.
يقول شهاب “بنشتري خامة الألواح بالأطنان، وبعدين بتتفصل زي ما يطلب الذبون حسب المقاس واللون والمهنة، بس ارتفاع سعر الدولار أثر علينا في شراء الخامات من بره، وفي المكن اللي بيركب والنقل، حتى العمال أجورهم هتزيد بسبب زيادة الأسعار في السوق، وأنا بيشتغل معايا 6 عمال”.
ويتابع: أكتر زبايني من فئة الشباب، ومن الجنسيات السوريين، والصينيين، وبصدر لدول مجاورة زي السودان.
صناعة متأرجحة
ويشير شهاب إلى أن صناعة العربات ليست موسمية، فمن الممكن أن ينقضي أسبوعًا كاملًا دون تصنيع عربة واحدة، ولكنها تتأثر بالحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلد.
يتابع إنها صناعة متأرجحة، يزيد عليها الطلب وينقص كغيرها، كما أن أعوام 2009، و2010، و2011، كان الرواج فيها أكثر، وزاد الطلب على هذه العربات في فترة تولي المجلس العسكري الحكم بمصر، للجوء أكثر الشباب وقتها إلى مشروعات المأكولات والمشروبات السريعة، مثل الغزل والكريب والعصائر والكشري، خصوصًا أن سعرها يبدأ من ألف جنيه حتى 12 ألف جنيه.
يختتم محمد حديثه “إن العثور على عامل أو صنايعي لإنجاز هذه الأعمال أيضًا أصبح نادرًا، إذ إن معظم الصناعات تطورت وواكبت التكنولوجيا”، كما أن الصناعات اليدوية كالتي يعمل بها أهم ما يميزها ويجعلها مختلفة كطبيعة المكان التي تصنع به “حي الجمالية الأثري”، لعدم إدخال التكنولوجيا عليها، ومن هنا “حلاوة الروح” في العمل والتميز.
تعليق واحد