المصريون القدماء أول من استخدموا البطاقة العائلية في العالم

قديما كان البشر يعيشون دون هوية شخصية توضح بيانات حاملها وتحدد هويته، والآن باتت بطاقة الهوية الشخصية أمرًا ضروريًا، بدونها لا يعد للشخص أي ملامح محددة وهوية معروفة إلا في محيطه الاجتماعي الضيق، ويعرف زمن صدور البطاقة الشخصية في مصر إلى أيام الملكية، وقد مر شكل البطاقة بالعديد من التطورات حتى أصبحت كما هي عليه الآن، لكن هناك حقيقة تاريخية تقول إن أول من استخدم البطاقات العائلية في العالم كانوا المصريون القدماء “باب مصر” يفتح لكشف هذه الحقيقة.

حضارة اللاهون بالفيوم

لن ينسى التاريخ ما قدمته الأسرة الفرعونية الثانية عشرة لمصر، والتي اتخذت من اللاهون مقرا لها وعاصمة لمصر، وقد شهدت الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مصر خلال حكم ملوك تلك الأسرة، تغييرًا جذريًا حيث شهدت مصر نقلة نوعية وازدهارا في كل مناحي الحياة، وتخبرنا تلك الفترة عن قوة وعظمة هؤلاء الحكام  والملوك، والرخاء الذي شهدته مصر منذ عهد الملك أمنمحات الأول مؤسس الأسرة الثانية عشر، والذي يوجد هرمه في منطقة اللاهون بالفيوم.

وفي ذلك يقول سليم حسن في الجزء الثالث من موسوعة مصر القديمة: “كانت الثقافة والأنظمة الحكومية في عهد الدولة الوسطى مصرية بحتة، لا ينسب شيء منها إلى أي بلد أجنبي، لذلك كان تقدمها محليا، حتى الآلهة كانت محلية”.

ظهور البطاقات العائلية

شهدت الدولة المصرية في عهد الأسرة الثانية عشرة تطورا ملحوظا في الجانب الإداري والتنظيمي للدولة، فقد تم إلغاء ما يعرف بأملاك التاج الخاصة أو أملاك الأمراء، لكن في المقابل كانت تحصل ما يعرف بالإتاوات الخاصة من المواد والموارد الطبيعية من كافة مقاطعات مصر، والتي كانت تذهب إلى ما يعرف ببيت المال، وقد كان أمراء المقاطعات مكلفين بتوريدها، ولكي يستطيع الأمراء جمع تلك الإتاوات من الشعب لمصري، ظهر ما يعرف بالبطاقات، وكانت تجمع في مكتب الوزير حتى يستطيع أن يحصي من خلالها كل سكان البلاد في سنين معينة وعددهم أيضًا.

أما عن شكل تلك البطاقات أو البيانات التي كانت تدون فيها، فيخبرنا بذلك ما تم العثور عليه من أعداد كبيرة للغاية من تلك البطاقات في مدينة كاهون أو اللاهون التي أسسها الملك سنوسرت الثاني، بالقرب من هرمه الواقع عند مدخل مدينة الفيوم.

حيث كان لزاما على كل رب أسرة أن يقيد في تلك البطاقة عدد جميع أفراد أسرته ومواليه أو من هم تحت رعايته، ثم يقوم رب الأسرة بحلف اليمين أو القسم أمام الوزير أنه صادق ومخلص في جميع ما دونه في هذه البطاقة، أي أن بياناتها صحيحة وليس فيها ثمة تزوير.

الخدمة العسكرية والتموين

لم تقتصر فائدة تلك البطاقات على المساعدة في جمع الضرائب فقط كما ذكرنا أو على إحصاء أعداد سكان المقاطعات فقط، بل يخبرنا سليم حسن، أن تلك البطاقات كانت تساعد الإدارة على معرفة حالة السكان الاجتماعية، ويتم من خلالها معرفة الواجبات الملقاة على عاتق كل فرد من أفراد الرعية، وحالته ومهنته، كما أن أمير المقاطعة هو من كان يقود جنود الرديف المجندين الموجودين في مقاطعته، ثم بعد ذلك يقوم الملك بعملية الاقتراع من بين الشباب لاختيار الشباب الذي يصلح للانضمام للخدمة العسكرية من كل مقاطعة، فقد كان يصل الأمر إلى اختيار واحد من ضمن مائة رجل، وقد كان يتم حصر هؤلاء الشباب من خلال البطاقات، كما كانت تستخدم البطاقات أيضًا في الاحتفالات لصرف الجعة والخبز واللحم على حسب عدد أفرادها.

 عهد الملكية

بدأ إصدار البطاقات الشخصية في مصر منذ العصر الملكي أيام حكم الملك فؤاد، وفي 20 أغسطس عام 1939 تم إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية في مصر بمرسوم ملكى في عهد الملك فاروق الأول، والتي يطلق عليها الآن “وزارة التضامن الاجتماعي”، وتم إصدار أولى البطاقات الشخصية للمواطنين المصريين من خلالها، وكانت البطاقات تحمل ختم “المملكة المصرية” وكانت بطاقات ورقية، وتضم العديد من البيانات بجانب الاسم والسن والعنوان والصورة الشخصية، وبعض البيانات الأخرى التي لا توجد الآن بالطبع في البطاقات الحديثة مثل: (لون العين، الطول، لون الشعر)، والمدهش أن السياق الاجتماعي والسياسي في تلك الفترة لم يعرف ضرورة ملحة لذكر نوع الديانة.

  خانة الديانة

بعد ثورة يوليو عام 1952 وإلغاء الملكية، حدث تطور آخر في تاريخ البطاقات الشخصية والعائلية، فقد حدث تغير في شكلها وبياناتها، كما أصبحت وزارة الداخلية هي المسؤولة عن إصدار تلك البطاقات، ثم أصبحت بياناتها تقتصر على (الاسم، ومحل الإقامة، وتاريخ الميلاد، وحالة الشخص الاجتماعية، والوظيفة، وفصيلة الدم، وتم إضافة خانة حديثة تسجل فيها الديانة)، وظهرت أول بطاقة في عام 1958 والتي كانت باسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مكتوب على غلافها “الجمهورية العربية المتحدة – الإقليم المصرى – وزارة الداخلية المصرية – مصلحة تحقيق الشخصية – بطاقة إثبات شخصية” صادرة طبقا لأحكام القانون رقم 181 لعام 1955، وكانت بطاقات ورقية أيضًا.

استمر العمل بتلك البطاقات إلى عام 1994، ثم ظهرت بطاقة الرقم القومي التي نحملها الآن، وتصدر عن مصلحة السجل المدني التابع إداريا لوزارة الداخلية المصرية، ويتم تجديدها كل 7 سنوات، لكن يجب ألا ننسى أن ما نحمله الآن في حافظاتنا كان أجدادنا الفراعنة يحملونه ويعرفونه أيضًا منذ آلاف السنين.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر