"المسيح في دشنا " قصة لاحسان عبد القدوس تنتقد "الثأر"
“كانت نشأتي الصعيدية ، وحياتي التي قضيتها في بلدتنا “دشنا ” قد أكسبتني وفحولة وقوة وعنادا ، لا تتوفر في الشباب القاهري “
بهذه الكلمات استهل الكاتب الرحل إحسان عبد القدوس قصته “المسيح في دشنا ” والتي نشرها ضمن مجموعته القصصية التجربة الأولى في مطلع الثمانينات ، وتحكي عن المحام الشاب ( همام أبو عسران ) ، ابن عائلة عسران بدشنا والذي درس الحقوق بالقاهرة وكان طالبا مرموقا ومحترما من زملائه ، وبعد تخرجه قرر أن يفتتح مكتب محاماة بدشنا ، بالإضافة إلى مباشرة الأرض التي ورثها عن والده ، وبالفعل تمضي به الأيام هنيئة ويتزوج من ابنة عمه وينجب منها ولدين ويذيع صيته كمحام شهير في أرجاء دشنا وقنا .
قتيل
” لم يكن القتلة دائما مجرمين ،إنهم غالبا من أكرم العائلات ، ومن أطيب الناس ،ولكن تقاليدنا ، تقاليد دشنا ، التي تجعل القتل نوعا من الاعتداد بالنفس ، والقتل يعقبه ثأر ،وكلما وقع قتيل دق القاتل على بابي ، ودفع الأتعاب . إلى أن حدث الحادث الذي غير مجرى حياتي ”
كان الحادث الذي غير حياة (همام) ، أن أحد أفراد عائلة فرغلي قتل واحدا من أبناء عمومته خطأ ، وقررت العائلة بزعامة عمه حمد بك عسران الأخذ بالثأر ، رغم معارضة همام للأمر وتفضيله اللجوء إلى القضاء ، الأمر الذي جعل عمه ، يخرسه بعنف متهما إياه بالجبن والتخاذل،
“والتفت إلى عمي في حدة وقال كأنه يصفعني : اخرس ، أتلجأ للقضاء في حقنا ،هل أنعدم من بيننا الرجال ، ثم يا حضرة الأستاذ ، ماذا سيفعل القضاء ؟ “
القوده
لم يستمع أحد للمحام همام ، وبدء نزيف الدماء دواليك بين العائلتين ، فبعد كل قتيل ثأر وبعد كل ثأر قتيل ، إلى وصل الدور على همام نفسه ، فبعد أن قتل عمه حمد بك ، أصبح هو كبير العائلة وأصبح مطلوبا من عائلة فرغلي ليسدد دين عائلته ، ولكن كان لبطل القصة رأي أخر ، يقول همام :” وبدأت الاتصال سرا بعائلة فرغلي عن طريق وكيل مكتبي ، وعرضت عليهم الدية ،فلم يقبلوها ، أن الدية تعتبر أهانه لهم ”
ويتابع المحام :” لم أكف عن السعي ، عرضت عليهم كل وسائل الترضية ، وأخيرا قبلوا أن يتنازلوا عن الثأر ، أن أنا أديت الطقوس المتبعة في بلدتنا ، أتدرون ما هي الطقوس ؟ أن اخرج من بيتي حاملا كفني فوق رأسي ، وأسير في الشارع وحولي أفراد من عائلتنا حتى أصل بيت فرغلي ، وأضع نفسي تحت تصرفهم وكفني فوق رأسي ،ولهم ساعتها أن قرروا ما شاءوا في مصيري ، كان هذا هو الأمل الوحيد ”
المسيح
” ولكن أولاد عمومتي رفضوا أن يصحبوني إلى بيت فرغلي وكفني فوق رأسي ،بل إنهم هددوني بان يقتلوني أن ذهبت ، واستطعت أن اجمع بعض أفراد عائلتي الفقراء وأرشوهم بالمال، ووضعت كفني فوق رأسي وخرجت ، وسكتت البلدة كلها من حولي ،واصطف الناس على الجانبين يشاهدون موكبي في صمت ، صمت ثقيل مخيف ، لقد خفت ساعتها ، وبدأت أحادث نفسي أنك تقوم بإنقاذ دم عائلتين .انك تحتمل كل ذلك في سبيل الإنسانية ، في سبيل أن يسود الحب والوئام ، انك كالمسيح تتعذب من أجل البشر ”
هكذا وصف همام أبو عسران مشهد ذهابه مقدما كفنه إلى أصحاب الدم وهو التقليد المعروف في الصعيد باسم “القودة” واعتبر نفسه مثل المسيح الذي تحمل خطايا البشر وذاق العذاب من اجلهم ، وبحسب أحداث القصة يقبل كبيرهم القودة ويقول في اقتضاب : عفونا ، ليعود همام إلى مكتبه وحياته السابقة وقد أزاح حملا ثقيلا عن كاهله ، ولكنه يفاجئ بمقاطعة من الجميع ، فقد هجر الموكلون مكتبه وذهبوا إلى محام أخر والأهالي يتجاهلونه ، وهجر الفلاحون أرضه ، وقاطعته عائلته تماما ، بل أنهم قرروا أن يقتلوه للتخلص من عاره .
” وحبست نفسي في بيتي ، واستعنت على عذابي بالكونياك ،أشرب وأشرب,أشرب في الصباح وفي الليل ،أرى صمت زوجتي فأضربها ، واضرب أولادي أن رأيتهم ،أرى أحدا من الخدم فأضربه ، وأنا مخمور، دائما مخمور ”
بلدي
وتنتهي أحداث القصة حين يحضر ابن عم همام إلى منزله ويجبره على إعداد حقيبته ويصحبه إلى محطة القطار ، ليخبره أن العائلة عدلت عن قرار قتله بشرط ألا يعود ابدا إلى دشنا وإلا سيقتل ، ليركب همام القطار المتجه إلى القاهرة .
“وأنا الآن في القاهرة ، بعيد عن بيتي ومكتبي وأولادي ،واشرب الكونياك . أريد أن أعود إلى بلدي “
+++++++++++++++++++++++++ه
هوامش :
قصة المسيح في دشنا بيدي اف – احسان عبد القدوس -اخبار اليوم –من ص 48 الى ص 56 –
* صورة غلاف القصة من نفس المصدر ص49
*صورة احسان عبد القدوس من ويكيبيديا (مشاع ابداعي )
تعليق واحد