«المسرح العائم»: شهد بدايات العندليب.. ولقاءات عبدالناصر السرية بعد النكسة

يُعد المسرح العائم واحدًا من أبرز معالم الثقافة والفنون في مصر. لا يمثل مجرد منصة للعرض الفني، بل هو رمز لحقبة من الازدهار الفني والاجتماعي. منذ افتتاحه في الخمسينيات، أصبح ملتقى لمجموعة من الفعاليات الفنية والموسيقية، وجسرا يربط بين الأجيال والمواهب. كان له دورٌ بارز في صعود نجم الفنان عبدالحليم حافظ، واحتضن أيضًا لحظات تاريخية لا تُنسى، مثل لقاءات مع شخصيات بارزة كالرئيس جمال عبدالناصر، وكانت ساحته مكانا للقاءات السرية للضباط الأحرار.

عبدالحليم حافظ بالمسرح العائم

«سهرة جديدة من سهرات المسرح العائم، نقدمها لحضراتكم، ويسرنا أن تجمع سهرة الليلة بين ألوان من الطرب وبين نزهة نيلية جميلة نستمتع فيها بالمناظر الخلابة وسط هذا الجو البديع». بهذه الجملة المعتادة، كانت تبدأ الحفلات بالمسرح، في مطلع الخمسينيات، بعدما افتتح الدكتور ثروت عكاشة والإرشاد القومي، المسرح العائم الذي أقامته الوزارة على ضفة النيل بمنيل الروضة.

قدم المسرح العائم رحلة واحدة من القاهرة حتى النوبة قبل أن تغمرها مياه السد العالي. ومن بين الحفلات الثابتة كان حفل الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، حيث كان يقدم وصلات أغاني تستمر قرابة 40 دقيقة، منذ عام 1954، ومن بينها أغاني نادرة مثل “بتقوللي بكرة” و “لايق عليك الخال”.

من فشل «بتقوللي بكرة» لنجومية «على قد الشوق»

شهد المسرح العائم، اثنين من أغنيات عبدالحليم حافظ في حفل واحد، واحدة كانت السبب في إحباطه وحزنه، والأخرى كانت بوابته للشهرة الحقيقية. كان عبدالحليم حينها في بداياته الفنية، وقدم الحفل في 1 أغسطس 1954. واحدة من الأغنيات التي قدمها غيرت مسار حياته الفنية. وهي أغنية “على قد الشوق” كلمات محمد علي أحمد وألحان كمال الطويل، والفرقة الموسيقية المصاحبة الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن.

قدم الأغنية لأول مرة في 4 يوليو عام 1954 بالإذاعة المصرية، ثم قدمها بعدها في العديد من الحفلات، منها حفل 25 يوليو 1954 بحديقة الأندلس في القاهرة، وكان أكثرها شهرة حفل المسرح العائم. وقال عنها عبدالحليم حافظ: “هي اللي خلت الناس تعرف عبدالحليم حافظ وتعرف اسمه وتعرف ملامح صوته”.

لكن الغريب أن الحفل نفسه بالمسرح العائم، شهد لحظات حزن عبدالحليم أيضا، إذ قدم أغنية “بتقولي بكرة” بعد عامين من فقدانه الأمل في اهتمام الإذاعة. وترجع كواليس الأغنية حين سجلها في أغسطس عام 1952 ولم يتم بثها. وزاره بمنزله متعهد الحفلات صديق أحمد، وطلب منه المشاركة في 10 حفلات تكون هذه الأغنية من ضمن الحفلات. لكن على حد وصف عبدالحليم حافظ “الجمهور لم يعجب بها”، بحسب “موسوعة أغاني عبدالحليم حافظ” الصادر عن دار الكرمة لعمرو فتحي.

المسرح العائم وإحياء التراث

لم تقتصر حفلات المسرح العائم على الغناء الفردي فقط، إذ بدأ عمل الفرق الغنائية الجديدة حينها بمحاولة إحياء التراث المحلي. خاصة تراث الموسيقار المسرحي الكبير سيد درويش. قدم المسرح، مسرحيات “العشرة الطيبة” لسيد درويش، و”يوم القيامة”، بحسب مجلة “المجلة” كان أكثر ملاءمة وفائدة للمصريين.

ووصف النقاد المسرح العائم حينها بأنه “أكثر ملاءمة لوطننا، إذ يمكن أن ينقل فن التمثيل إلى جميع أنحاء مصر. فضلا عن المتعة في عواصم المحافظات، لأن المسرح على النيل العظيم وفروعه وقنواته من أسفله إلى أعلاه ومن شرقه إلى غربه. بحيث يستطيع هذا المسرح المبني من الخشب في صورة سفينة عائمة متنقلة”.

ولم تكن خطة المسرح العائم موجهة إلى عواصم المحافظات فقط، بل بمراكزها الكبيرة أيضا. وذكرت المجلة خطة عكاشة للنهضة بالثقافة والفنون في مصر. والجمع بين مشروعي قصور الثقافة والمسرح العائم عبر إنشاء خمسة وعشرين قصرا وكل قصر يضم مسرحا. وفي عام 1991، سعى وزير الثقافة لاستكمال خطة إنشاء نادي الممثلين في حديقة المسرح العائم بالمنيل بعد الحصول على موافقة رئيس الجمهورية بتخصيص حديقة له.

لحظات تاريخية: عبدالناصر والمسرح العائم

كان المسرح العائم المكان المفضل للرئيس الراحل جمال عبدالناصر. في 29 يوليو عام 1954، تواجد به، ليس كضيف أو مشاهد لحفل أو عمل فني. لكن لتكريم أعضاء مجلس قيادة الثورة. بحسب كتاب “تاريخ نقدي للإيديولوجيا الناصرية”، لشريف يونس، ألقى عبدالناصر كلمة في حفل تكريمهم به.

كما شهد لقاءات سرية أيضا. حيث يستعرض سامي شرف، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية، تفاصيل تتعلق بالمؤامرة التي أثيرت حول المشير عبدالحكيم عامر. ويعبر شرف عن استغرابه من موقف بعض القيادات العليا في القوات المسلحة، التي حاولت خلق ضجة حول هذا الموضوع، رغم اعترافها بعدم تعرضها لأي ضغوط.

يعتبر “شرف” أنه من المهم تناول تصريحات هؤلاء القادة، والتي أُدلي بها خلال المحاكمة العلنية التي تم بثها ونشرها في الصحف دون أي حذف. بدءًا من فتح المحكمة وحتى صدور الأحكام في 27 أغسطس 1968.

تحدث المقدم أحمد عبد الله إسماعيل، أحد قادة الصاعقة،عن دوره منذ بداية اتصاله بالمشير عبدالحكيم عامر بعد النكسة وحتى اكتشاف المؤامرة. كما ذكر اللقاءات السرية التي جرت في منزل عامر بالجيزة، وفي شقة مصطفى عامر. وكذلك في أماكن أخرى على كورنيش النيل

مسرحية واحدة من إياهم لبرلنتي عبدالحميد
مسرحية واحدة من إياهم لبرلنتي عبدالحميد
مسرحية “واحدة من إياهم”: من العرض إلى المنع

كان الاهتمام الأكبر في المسرح العائم بعرض الأعمال الكوميدية، إلا أن واحدة منها تم منعها من العرض. وهي مسرحية “واحدة من إياهم” للفنانة برلنتي عبدالحميد. في عام 1986، واجه المخرج صلاح السقا رئيس قطاع المسرح حينها، قرار وقف مسرحية “واحدة من إياهم” التي تم عرضها على المسرح. بحسب كتاب “المسرح المصري الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1990.

كان من المقرر حينها تخصيص المسرح لعروض 6 فرق مسرحية من فرق الهواة من جماعة هواة المسرح التي ستقدم 90 عرضا مسرحيا. مع عرض مسرحيات فنية أخرى، من بينها “واحدة من إياهم”، والتي تم إيقاف عرضها من خلال ورقة تحمل توقيع الفنان صلاح السقا بإنهاء العرض فجأة ودون مبررات. لكن الحكومة قررت فجأة أن المسرح لا يتبع وزارة الثقافة، بل وزارة الداخلية. وأعلنوا في اجتماع مع الفرقة: “الأمن مش عاوز المسرحية”.

اقرأ أيضا:

«المسرح العائم» في خطر.. ووزير الثقافة: «قرارات دولة»

«المسارح العائمة» في العالم: تاريخ موجز

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر