المؤرخ الفرنسي «هنري لورنس»: الغرب يجب أن يراجع تاريخ «فلسطين»

ألقى المؤرخ الفرنسي «هنري لورنس»، محاضرة خاصة في المعهد الثقافي الفرنسي بالإسكندرية، ضمن فعاليات برنامج «هنا فلسطين»، وهو حدث يكرم الثقافة الفلسطينية، وكذلك الجهات الفاعلة في المشهد الفني الفلسطيني في مصر. ويعد «لورنس» المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، من أبرز الخبراء في قضايا المنطقة التاريخية والسياسية. وقد كتب كثيرا عن فلسطين، وتناول القضية الفلسطينية في كتابه «القضية اليهودية والمشاكل العربية»، وهو ما استعرضه في محاضرته.

القضية اليهودية

في البداية تحدث «لورنس» عن سبب اختياره لعنوان كتابه «القضية اليهودية والمشاكل العربية»، وقال: “العنوان يشير إلى وجود قضية أو ملف يجب مناقشته. فعند الحديث عن المساواة في الحقوق، لا ينبغي أن تكون هناك أطروحات جانبية، فالجميع متساوون في الحياة”.

وتابع: يناقش الكتاب أيضا فترة الثورة الفرنسية ورغبة الفرنسيين في تحرير اليهود، وخاصة من كان يطلق عليهم “اليهود البرتغاليون”، بخلاف يهود الشرق “الأشكيناز” الذين واجهوا مشاكل معينة. وقد حاول الملك لويس السادس عشر إصلاح وضعهم من خلال إصدار بعض القوانين الخاصة بهم.

الدعوات ضد اليهود

استطرد «هنري لورنس» في حديثه قائلا إنه هناك دعوات عديدة ظهرت ضد اليهود، نتيجة اختلاف التفسير الديني بين المسيحيين واليهود. مما أدى إلى ظهور ما يعرف بـ”معاداة السامية”. وأضاف أن فكرة ربط اليهود بالحداثة كانت متناقضة. فهم لم يشاركوا فيها بفعالية، بل اتهموا بأنهم أدواتها في تفكيك المجتمع التقليدي.

يقول: “ظهرت محاضرات ومؤلفات عديدة حول “نظرية المؤامرة”، لا سيما كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” الذي نشر في أوائل القرن العشرين. وبدأ رفض مبدأ المساواة في الحقوق في فرنسا، وبدأ ينظر إلى كل ما هو “غريب” على أنه تهديد للهوية الفرنسية. في ألمانيا، اتخذت معاداة السامية طابعا أكثر حدة، وتم تصوير اليهود على أنهم غرباء عن التاريخ الفرنسي.

ثم جاء الحدث الفظيع وهو معاداة السامية والقتل الجماعي لليهود خلال الحرب العالمية الثانية. بعد ذلك، انتقل اليهود إلى فلسطين، حيث كانت لديهم رغبة في إنشاء دولة يهودية، لكن واجهوا مشكلة وجود سكان عرب في المنطقة. وظهرت فكرة “تدمير يهود أوروبا” في ثلاثينيات القرن العشرين”.

حدثت موجات من معاداة السامية في نهاية القرن الـ19، تبعتها اضطهادات دفعت اليهود إلى الهجرة. وأصبح بعضهم يعيش في الريف ويحمل السلاح للدفاع عن نفسه. وقيل حينها إن الحل هو إرسال اليهود إلى فلسطين. وفي عام 1920، وصف اليهود بأنهم “غير مرغوب فيهم”. وعام 1930 أصبحت علاقتهم بالحركة النازية أوثق. ومن المفارقات، كما يقول لورنس، أنهم ربما كانوا بحاجة إلى فكرة “معاداة السامية” لدفعهم نحو الهجرة إلى فلسطين.

محاضرة المؤرخ الفرنسي "هنري لورنس"
محاضرة المؤرخ الفرنسي “هنري لورنس”
عن الكتاب

يشير «لورنس» إلى أن كتابه يشمل ثلاث مراحل تاريخية: من عام 1908، تاريخ انطلاق التنظيم الصهيوني، وحتى 1948، تاريخ قيام إسرائيل وهو نفس وقت انتهاء الدولة العثمانية. مرحلة ما بعد عام 1948، التي شهدت صراعات عربية -إسرائيلية، منها العدوان الثلاثي في عام 1956، واحتلال طابا وسيناء في 1967. ومرحلة 1973، التي استرجعت فيها مصر وسوريا أراضيهما، وصولا إلى بدء عملية السلام، ومحاولة إيجاد حل للقضية الفلسطينية. وينوه بأن الدول العربية انسحبت تدريجيا من الصراع، حتى بات الصراع محصورا بين فلسطين وإسرائيل.

ويوضح، أنه بدأ كتابة الجزء الخامس من الكتاب عام 1995، وانتهى منه عام 2015، مشيرا إلى أنه كان منهكا جدا آنذاك. والآن فقط، بدأ في كتابة الجزء السادس، وكان عليه أن يجمع مراجع كثيرة قبل الشروع فيه. تناولت الأجزاء الخمسة السابقة من الكتاب موضوعات مثل: الأرض المقدسة، الحضارة، الأنبياء، شجرة الزيتون والمدفع، والسلام المستحيل. ولفت إلى أن الغرب لا يرى الصراع إلا من خلال مذبحة اليهود في الحرب العالمية الثانية، بينما يرى العرب أنه غرق في الاحتلال.

دور الدين في الصراع

أكد «لورنس» أن الدين يلعب دورا مهما في هذا الملف، مشيرا إلى أن رؤساء أمريكيين مثل جيمي كارتر كانوا على دراية جيدة بالتوراة. موضحا أنه في فرنسا يوجد بعدان: الدين والعلمانية، وهذا يظهر في رموز مثل كنيسة نوتردام واحتفال 11 نوفمبر بيوم وقف إطلاق النار. أما على الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، فالصراع ذو طابع ديني أكثر منه علماني. حيث تتحول الأماكن الدينية إلى بؤر لصراع سياسي، مما يضفي أبعادا دينية على النزاع.

ويرى أن مصر دولة متأثرة جدا بالصراع أكثر من غيرها. وقد حاولت المساهمة في حله، لكنها لم تنجح بشكل نهائي. مشيرا إلى أنه كان ممن آمنوا باتفاقية أوسلو، لكن النتائج جاءت مخيبة. فمنذ عام 2010، لم يحدث أي تقدم ملموس في حل القضية الفلسطينية. بل ازدادت الأمور تعقيدا، بحسب تحليلاته المتشائمة، خاصة بعد عام 2023.

حلّ الصراع

يقول «لورنس» إن الفلسطينيين حتى لو هاجروا إلى أماكن مثل تركيا، فإنهم لن يصمتوا، بل سيواصلون النضال ضد إسرائيل. مشيرا إلى أن هناك فلسطينيين أصبحوا أعضاء في الكونجرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي. ما يدل على أن النضال الفلسطيني مستمر حتى لو غابوا عن أرض فلسطين.

ويضيف، أن “الدبلوماسية” تعني تبادل الخيالات ومحاولة تقريبها من الواقع، ولذلك فإن حل الدولتين يجب أن يكون قائما على الاستقلال الفعلي لكل دولة. وتساءل: كيف يمكن لدولة أن تحتفل باستقلالها في الوقت الذي يكون فيه ذلك هزيمة للدولة الأخرى؟! لذلك فالحل السياسي يجب أن يكون إدارة عادلة وحقيقية لدولتين مستقلتين. ومع ذلك، فإننا نبتعد عن الحل مع مرور الوقت، لكن الخيال يظل قائما.

طرد العرب

يختتم «لورنس» حديثه: “هناك جانبا لا يرغب الغرب في تذكره، وهو أن إسرائيل لم تنشأ إلا من خلال طرد الكثير من العرب من أراضيهم، وهو ما يعود إلى فترة النكبة عام 1948، لذا يجب أن تكون هناك مراجعة للتاريخ”. وتابع: “في ديسمبر عام 2000، فكر الرئيس كلينتون في بعض المعايير التي قد تؤدي إلى تحقيق السلام، وأعتقد أنها من النقاط الرئيسية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار”.

وعن فعالياته القادمة، أوضح المؤرخ الفرنسي هنري لورنس، أن هناك مؤتمرا سيعقد في 13 يونيو المقبل حول الإبادة الجماعية، وكيف تم تفسيرها خلال الحرب العالمية الثانية، وهل يمكن إسقاط هذا المفهوم على أحداث أخرى؟ لأن هذا المصطلح استخدم بشكل أساسي في تلك الفترة.

اقرأ أيضا:

كريم جمال بعد «سلوى: سيرة بلا نهاية»: أكتب لمتعتي الذاتية

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.