حكاية الشاطر “حسن الجريتلي”
بعد عودة فرقة الورشة المسرحية من فرنسا الشهر الحالي، حاورت “ولاد البلد” المخرج حسن الجريتلي، عن 29 عاما من الفن المستقل في مصر. فرقة الورشة المسرحية أسست في عام ١٩٨٧، وهي أول فرقة مسرحية مستقلة في مصر، ولعل اسمها يفسر مضمون الطريقة التي تنمى بها الورشة كل من خطو تلك العتبة، ودخل عالم من سحر الخيال والسير الشعبية مغزول بحكايات جديدة ومسرحيات شابة تفسر وملهمة دوما.
منذ أوائل التسعينيات كانت الورشة أول من اهتم بفن الحكي كفن مستقل بذاته وإحيائه، وقد عقدت ورش تدريب وشاركت العديد من شيوخ السيرة مثل سيد الضو، شاعر السيرة الهلالية، وحافظ المليون بيت، و الشيخ زين، كما إنها ساهمت في استمرارية فن التحطيب من خلال دعمها لمركز مدحت فوزي لفنون العصي بملوي، ولعلها المكان الوحيد الذي يعرض التراث الغنائي من مونولوجات شيكوكو لطقاطيق العشرينيات جنبا إلى جنب مع حكايات من ثورة يناير ومونولوجات من واقع غزة الأليم، و الورشة مثلت مصر في العديد من المسارح الأوروبية والعربية و شهرتها واسعة.
وعلى مدى 29 عاما كانت فرقة الورشة هي مصنع نجوم الفن مثل الممثل القدير أحمد كمال، والفنانة الكبيرة عبلة كامل، والفنانة فانيا، وأساتذة الحكي سيد رجب، وعارفة عبدالرسول، ورمضان خاطر، وأصوات عذبة مثل فاطمة عادل، وداليا الجندي، والعديد من المواهب المشرقة تتغنى بالقديم والحديث بنفس المهارة والحماس، وما يميز الورشة أنها تذكرنا دوما بتراثنا الثري، لكن شباكها يظل مفتوحا ليستقبل كل ما هو جديد وأصيل.
ومن الحكايات التي لم تروها الورشة كيف استطاعت أن تستمر وتنجح طول تلك السنوات، وحين حاورنا حسن الجريتلي، مخرج الفرقة ومنشئها، قال إن رحلته مع الفن المستقل وفرقة الورشة علمته 6 دروس أساسية:
الدرس الأول: أنت من تقوم بترتيب سريرك وأنت الذي تنام عليه
يجب أن تبقى إمكانيات الإنتاج في يد الفرقة المستقلة، وهو ما تعلمته من عملي مع المخرج يوسف شاهين، مثل المثل الشهير: “أنت من تقوم بترتيب سريرك وأنت الذي تنام عليه”، ويجب أن يتناسب الشكل الإنتاجي مع المنتج وهو على عكس التناقد الحالي في السينما المصرية حين يبدأ “تجار” السينما في الإنتاج حتى لكبار المخرجين يتم ذلك بتوتر شديد لإنتاج أفلام جادة وتجارية في نفس الوقت؛ ولهذا علاقتي في السينما المصرية كانت مع المخرج يوسف شاهين، والمخرج يسري نصرالله، لأنهم يهتمون بأن يظل في يدهم الإنتاج بغض النظر عن التمويل.
الدرس الثاني: لا يوجد فن من دون حرية
أتكلم عن تجربتي مع الهناجر، كنت مخرج في مسرح الطليعة، وأنتدبت للإشراف على بناء مسرح الهناجر، وأشتغلت هناك ٣ سنوات ونصف على الأفكار الهندسية، حتي تبقي مناسبة للإنتاج المسرحي وأستقلت عندما وجدت في النهاية أن الفنان لا يستطيع أن يعمل في علاقة تبعية مع الدولة، بل يجب أن تكون علاقة تعاقدية مثل ما يحدث في دول أخرى، على أن يتم متابعة الدولة مع الفنان، وخصوصا علي المستوى المالي – فالعقد شريعة المتعاقدين- ففكرة المركزية عكس الإبداع، لأننا نتجه لفكرة أن الفنان زريعة فتجدي فرقة رقص معاصر واحدة ومسرح شباب واحد، “لو دعمي كان مقترن بإنني أدعم آخرين لما استقلت”.
لا يوجد فن من دون حرية والدليل أن ثورة يناير ٢٠١١ الحرية التي انتزعها الناس أخذت في أولى صورها شكل شعارات جديدة وأغاني وشعراء جدد.
الدرس الثالث: لماذا نريد أن يلعب كل الفنانين نفس الدور؟
نحن اخترعنا فكرة “المنولوج” (صوت واحد فقط) الديمقراطي بالرغم من أن الديمقراطية في الأصل على شكل”ديالوج” أو “الحوار” و الحوار أساسه الاختلاف ومن الممكن أن يؤدي إلى اتفاق مؤقت.
الدرس الرابع: نعم هذا ممكن
إلى أي مدى سوف تسمح الدولة بأن وحدة دعم المسرح المستقل ستبقى كذلك “أي مستقلة”؟ و ما هي الآليات التي تضمن ذلك؟ من خلال هامش الحرية الذي اكتشفنا وجوده والاستفادة القصوى منه، تمكنت فرقة الورشة لعب أهم دور لها بغض النظر عن دورها الفني والتدريبي، كونها بقيت ولو إلى حين، وحتى لو اختفينا أرى أن تأثيرنا هو أننا اعطينا ثقة لناس كثيرة أن هذا ممكن، كوننا استمرينا تقريبا ٣٠ سنة، اعطينا الناس أمل أنه ممكن أن تجرؤ و من خلال هذا الهامش من الحرية وبالرغم من كل التناقدات والأخطار إلى حين، ثم أن الحياة كلها إلى حين.
الدرس الخامس: ورفعت فني لمقام الشعب
في رحلتنا قررنا قرارات شكلت تاريخنا أولها الحرية وثانيها الشغل على التراث – الفن التقليدي المبني على ثقافة كاملة تعبر عن نفسها من خلال “العامية” أي لغة الشعب – وفي لحظة معينة شعرت إنني مثار بالحياة اليومية ومرجعية الحكاء المصرية عندي هي مرجعية أن فيه منه ٩٠ مليون حكاء مصري و”مش” الحكاء الراوي التقليدي في المسرح.
وهذا كان قرار إننا نشتغل على الحياة اليومية، وفكرة مرجعيتنا تكون للشعب المصري ومثل مقولة فؤاد حداد “ورفعت فني لمقام الشعب” قررنا الشغل على التراث، واتبعنا طريقة التعليم “بالمجاورة” أي التعليم بالمعايشة “يجاوروني ويجاورو بعض ويجاورو آخرين.
الدرس السادس: أكتر ناس تطور في عملها في واقع الأمر هما الفنانين التقليديين
لا أقول إن الفن القديم أهم من الجديد ولا أقول إن القديم ثابت، لأن أكتر ناس تطور في عملها في واقع الأمر هم الفنانين التقليديين، وفكرة أننا قد اعتدنا من متخصصي الفلكلور النظر للتراث على أنه شىء ثابت في حين أنني عملت مع فنانيين كتيرين وهم أكتر ناس يراجعون أنفسهم في العرض ويبتكروا ويرتجلوا ولا يعتبروا أن فنهم مقدس حتى و لو كانوا فنانو السيرة نفسهم، فشيوخ فن خيال الظل: أحمد الكومي، وحسن خنوفة، وحسن الفران، كانوا نماذج للانفتاح وهم جاورونا واعطونا كل خبراتهم ثم أخذوا من ارتجالات الشباب الموهوبين لدى الورشة مثل الفنان سيد الرومي، وجمال من بورسعيد.
فمثلا حسن الفران كان يصنع الرقمة (شاشة عرض خيال الظل) بشكل مستقيم، وحين عرضنا في تركيا وجد أنهم يصنعونها بشكل شبه مائل لأنه يجعل خيال الظل أوضح فطور هو من فنه وبدا يصنعها مثلهم.
وحسن الفران حين عقد ورشة تدريب الأطفال على صناعة عرايس خيال الظل في المنيا وجدته وحده على المسرح قبل أن يأتي الأطفال، يزركش العرائس الكرتون بخروم تجعلها أجمل في الضوء، كان في منتهى الفرح والسعادة لأنه يعلم فنه.
ومن نفس المنطلق ما أفعله في الورشة هو وضع القديم مع الجديد في حالة بلا “هايراركية” يأخذ فيها القديم مقامه واحترامه ويستمر، بينما نعطي الجديد فرصة مجاورة القديم وبالتبعية يحمل الجديد في قلبه القديم و يستمر.
تعليق واحد