السينما المصرية والعالمية (3): معادلة الإنتاج السائد.. وفقا لـ«بيت الروبي»
ها نحن، مرة أخرى، أمام فيلم توفرت له كل الإمكانيات التي تصنع أفلاما جيدة: إنتاج ضخم، نجوم كبار، صف أول وثان وثالث، مخرج متمكن، حقق نجاحات كبيرة في الدراما التليفزيونية والسينما. ولكن النتيجة الإجمالية: لا شئ!
المواصفات القياسية
كنت قد ختمت مقالي السابق عند معادلات الإنتاج التي تحكم السوق المصري سواء بالنسبة لسينما “التيار السائد” mainstream، التجارية، المصنعة من أجل استهلاك دور العرض العام. أو ما نطلق عليه السينما المستقلة، الفنية، المصنعة من أجل المشاركة في المهرجانات وأسواق التوزيع الصغيرة محليا ودوليا.
بالنسبة للموديل الأول، فإن فيلم «بيت الروبي»، الأضخم من بين أفلام عيد الأضحى الحالي، هو نموذج مثالي للدراسة.
الفيلم من إخراج بيتر ميمي، عن سيناريو لشابين هما محمد الدباح وريم القماش (اسمان طريفان لكاتبا سيناريو!)، وبطولة نخبة من ألمع نجوم الدراما والكوميديا: كريم عبدالعزيز، كريم محمود عبدالعزيز، نور، محمد عبدالرحمن، تارا عماد، شريف دسوقي، حاتم صلاح، محمود السيسي، مصطفى أبوسريع، طه الدسوقي، ومعهم المذيعة منى الشاذلي، تلعب دور منى الشاذلي المذيعة. والفيلم من إنتاج سينرجي، كبرى شركات الإنتاج المصرية حاليا. طيب ما هي فكرة الفيلم وهدف وجوده؟ مع ملاحظة أن الفكرة وهدف الوجود يختلفان عن القصة والحبكة.
عائلة خاصة جدا
بالنسبة للقصة فهي تدور حول أسرة سعيدة تقيم في أحد منتجعات البحر الأحمر النائية عن العاصمة. تتكون من الأب إبراهيم الروبي (كريم عبدالعزيز) والزوجة إيمان الروبي (نور) التي تحمل اسم عائلة زوجها مثل الأوربيين. لسبب ما، هو التأكيد على قوة اسم الروبي وعائلة الروبي، كما سيتضح بعد قليل. ومعهما ابنتهما شمس وابنهما شريف.
بعد قليل من المشاهد العائلية السعيدة يتبين أن إبراهيم كان أستاذا بالجامعة، وأن الزوجة كانت طبيبة، وأن الأسرة جاءت إلى هذا المكان هربا من مشكلة ما، حدثت للزوجة. فقد اتهمت (ظلما) بالتسبب في وفاة مريض (شئ يحدث للأطباء في مصر يوميا، ولم نسمع عن هروب أحد منهم!). ولكن يبدو أن السوشيال ميديا التي حولت الحادث إلى “تريند” وفضيحة هو السبب.
هذا هو العالم العادي الذي يعيش فيه الأبطال، والذي يختل توازنه بوصول إيهاب (محمود كريم عبدالعزيز) شقيق إبراهيم الروبي، وعروسه الحبلى بهيرة (تارا عماد). وسبب الزيارة أن إيهاب يحتاج إلى أخيه في القاهرة لانهاء بعض الأوراق الخاصة بالميراث، والتي تعوق عمله في محل “الكوافير” الناجح الذي يديره. ومن خلال الحوار الكوميدي الطريف بين إبراهيم وإيهاب. حيث يتبادلان القاء “الإيفيهات” من كل نوع، يتبين أن عائلة الروبي هذه “مميزة جدا”، لماذا، لأن أبيهما، رحمه الله، كان لديه يدان وساقان تسبقان مخه في العصبية والمشاجرات. مما يبرر بعد قليل، العصبية والمشاجرات التي يدخل فيها الابنان.. ورغم أن الفيلم يلح على خصوصية عائلة الروبي هذه. إلا أننا لانرى أمارة أخرى على ذلك، باستثناء العصبية والاندفاع في المشاجرات.
***
رغم انزعاج إبراهيم من العودة للقاهرة، إلا أنه يعود، مصطحبا الأسرة كلها، في مهمة يفترض ألا تتجاوز يوم أو اثنين. ولكن كما هو متوقع تمتد الزيارة أياما تحدث فيها أشياء كثيرة، منها أن الزوجة تتلقى دعوة للعودة إلى عملها كطبيبة (فالناس تنسى كل شئ بعد فترة، كما تخبرها مديرة المستشفى)، ومنها أن إبراهيم، يتحول إلى نجم على مواقع السوشيال ميديا، التيك توك والانستجرام وخلافه، وذلك عندما يلقي ببعض الكلمات الغاضبة التي يقوم بتصويرها وبثها أحدهم. وبين ليلة وضحاها يتحول إبراهيم إلى نجم أكثر شهرة من كريم عبد العزيز شخصيا!
هل نفهم من ذلك أن الموضوع الرئيسي للفيلم هو “خصوصية” عائلة الروبي أم ما تفعله السوشيال ميديا بحياتنا؟ بمعنى آخر: هل الفيلم يدور حول أبطال غير عاديين يواجهون مواقفا عادية؟ أم حول أبطال عاديين يواجهون مواقفا غير عادية؟
تتأرجح البوصلة بين المنظورين. والسبب هو معادلات الإنتاج التي تحكم السوق، والتي قد يعتقد المشاهد أن لا دخل لها بموضوع وقصة وشخصيات الفيلم.
النموذج المطلوب
يمثل كل من إبراهيم وأخيه النموذج الذكري المطلوب في السينما الآن:
فحولة، تبينها إيفيهات الشقيقين التي لا تتوقف حول نشاطهما الجنسي وتعليقاتهما التي لا تتوقف حول كل إمرأة تظهر في الفيلم تقريبا.
خفة دم وقدرة هائلة على توليد الكوميديا والإيفيه في أي موقف..خاصة الإيفيهات الجنسية سابقة الذكر. يضاف إليها هنا حفلة من الإيفيهات غليظة الذوق حول عجوزين يتزوجان في المنتجع، وحول كبار السن بشكل عام.
قوة بدنية وميل إلى استخدام الجسد لحل النزاعات، فهما دوما إما معرضان للعنف، أو يستخدمانه.
وأخيرا، اعتزاز وعزة وتميز عن بقية البشر (الموجودين في الفيلم على الأقل): “أهم حاجة ما ننساش إحنا مين، ومين عيلة الروبي”. كما يختم الدكتور إبراهيم رحلته، والهدف المعنوي منها.
مقادير الوصفة
تصنع الأفلام، وفقا لمعادلات الإنتاج في السينما السائدة، لكي تستقطب الجمهور بالتوابل المعتادة: الجنس (حتى لو أصبح مجرد إيفيهات لفظية)، الأكشن، والكوميديا، وهذه هي الخلطة التي لا تتغير للسينما التجارية. ولكن وفقا لمعادلة الشركات شبه الرسمية، الكبيرة، فلابد من إضافة بعض التوابل “الوطنية”، من نوعية الاعتزاز والتميز والخصوصية. وتحت كل هذه الطبقات يمكن أن تعثر على موضوع الفيلم، الذي كان، غالبا، المكون الأساسي لنسخة السيناريو الأولى، وهو تأثير وجنون السوشيال ميديا.
ولكن عندما تنحي طبقات التوابل والكريمة التي تغطي الفيلم، لن تجد تقريبا سوى عنوان هذا الموضوع، فلا قصة وحبكة مقنعين، ولا معالجة جادة تدخل وجدان المشاهد، وتؤثر فيه، أو تضيف إلى ما يعرفه عن السوشيال ميديا.
في معادلات الإنتاج السائد، تسود فكرة “المقادير”: مقدار من الكوميديا (ذات التوجه الذكوري، العنصري، غالبا)، مقدار من الأكشن (يؤكد التوجه الذكوري)، مقدار من التوجيه المعنوي الأخلاقي أو الوطني أو الاجتماعي أو التنموي/ بشري، أو كلهم معا. وفي معظم الأحيان تضيع فكرة الفيلم وهدف وجوده، إذا افترضنا أن مؤلفه كان لديه فكرة، أو هدف حقا.
اقرا أيضا:
بين «كيرة والجن».. و«النمس والجن»
في السينما والدراما.. تعددت الأسباب والخيبة واحدة!