«البوستة الفرنسية» ببورسعيد..تنتظر الهدد
خلال عام 2020 صدر قرار رقم 236 لسنة 2020 بالوقائع المصرية، والذي أشار إلى حذف مبنى “البوستة الفرنسية” ببورسعيد من سجل المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز . أثار الأمر الكثير من الجدل حينها. إذ يعد المبنى ذاكرة حية وشاهد عيان على تاريخ مدينة تنوعت بطرز معمارية فريدة منذ نشأتها الأولى.. «باب مصر» التقى الدكتور أحمد رجب، مفتش الآثار الإسلامية والقبطية والمهتم بتراث بورسعيد.
تاريخ البوستة
يقول رجب لـ«باب مصر»: “البوستة المصرية تأسست سنة 1865. قبل تلك الفترة كان الأجانب هم من يدشنون مكاتب للبريد، لأن البوستة المصرية لم تكن في ذلك الوقت واسعة الانتشار. فمحمد عليّ كان يعتمد على “الجمّاليين” عند نقلها. وعندما تأسست البوستة المصرية لم تكن بقوة البوستة الأجنبية، لكنها مع الوقت استطاعت أن تحل مكانها”.
وتابع: وفي سنة 1889 ألغيت البوستة الأجنبية في مصر. فهذا المبنى أنشئ سنة 1867؛ أي قبل افتتاح قناة السويس بسنتين. وقد احتفل بداخله بمناسبة افتتاح قناة السويس، فمؤسسها هو شخص فرنسي يدعى الخواجة چان باتيست بيير.
وقد اختار بناء هذا المبنى داخل بورسعيد نظرًا لأن شركة قناة السويس كانت شركة متعددة الأسهم والجنسيات، وبالتالي فالمهندسين الذين عملوا في القناة كان أغلبهم من الأجانب. لذلك ظهرت ضرورة ملحة كي يتواصلوا مع ذويهم في الخارج. فأنشأت البوستة هناك، داخل مدينة بورسعيد -حديثة النشأة آنذاك- فتاريخ ميلادها هو نفسه اليوم الذي قرر فيه حفر قناة السويس؛ أي سنة 1859.
عملية تخريب
يشير رجب إلى أنه عندما تم استبدال البوستة الفرنسية بالمصرية لم يعد المبنى له أي فائدة. فقد بيع لسيدة تدعى تريزا چوزيف رومانو. وقد حولت المبنى في يوم 9 أكتوبر 1943 وفقًا لما جاء بوثائق دار المحفوظات بالقلعة لـ”كباريه”. وعندما أممت قناة السويس بعد ذلك تم بيع المبنى لمصريين، وظل مهجورا إلى وقتنا هذا. فالمبنى بالطبع للأسف صدر له قرار إزالة يوم 28 إبريل سنة 2020، وقد نشر القرار في الوقائع المصرية في العدد 98 لسنة 2020، فالمبنى خاضع لقانون التراث وليس الآثار.
يحكي رجب حكاية المبنى وبداية عمليات تخريبه. إذ يقول: “بدأت حالة المبنى تتهاوى منذ سنوات فقد فتحت المياه بداخله بصورة مستمرة والتي أثرت عليه بشكل كامل وبدأت تتساقط حوائطه. وبالتالي صدر له قرار إزالة. لكن حتى الآن لم يتم تنفيذ هذا القرار وأتمنى ألا ينفذ، لأنه من المباني القديمة جدا في بورسعيد وهو المبنى الوحيد الذي أقيمت داخله حفلة بمناسبة افتتاح قناة السويس فهو يقع في شارع صفية زغلول -أوجينيه سابقا”.
قرار إزالة
يتحدث أحمد رجب عن صدور قرار الإزالة، ويقول: “عندما صدر القرار كان ذلك في فترة الكورونا. وقد صدر القرار دون أي ضجيج فقد حاول البعض التكتيم عليه، لكني استطعت أن أتحصل على قرار الإزالة، لكن للأسف لم يتحرك أحد لوقف الأمر فقد وجدت نفسي وحيدًا في الدفاع عن هذا المبنى. وقد ناشدت الكثيرين، لكن للأسف لم يهتم أحد في نهاية الأمر”.
وتابع: نحن نمتلك الكثير من المباني في بورسعيد والمهددة بالهدم مثل البيت الإيطالي. لكن هناك ميزة أنه ملك لدولة إيطاليا. وقد افتتح رسميا سنة 1993، وبناه موسوليني، لأنه كان متيقن من أن مصر ستكون من نصيبه بعد الحرب العالمية. وبالتالي فقد قرر إنشاء هذا المنزل ليكون مستقرا له وللحكومة الإيطالية عندما تتمكن من السيطرة على قناة السويس، فهذا المبنى حالته متداعية في الوقت الحالي.
اختراق القوانين
يرى الدكتور أحمد رجب أن قوانين التنسيق الحضاري يتم اختراقها بطرق متعددة من جانب الملاك. ويقول: المالك يخرب المنزل من الداخل حتى يصبح وجود المبنى خطرا على المارة، وبالتالي يتقدم بأوراق تثبت صحة كلامه، ويتمكن من إخراج المنزل من ضمن المباني التراثية أو قوائم حصر المباني الآيلة للسقوط. فأحيانا يقوم بفتح المياه داخله أو ضرب مواسير المياه، أو تحطيم بعض جدرانه وتكسير بعض الأجزاء والتي قد تسبب خطورة على المارة. وأحيانا يتم إشعال حريق بداخله كي يفقد المبنى عناصره الزخرفية.
وقد يقوم صاحب المبنى بتحرير بعض المحاضر في أقسام الشرطة والتي تفيد باستخدام المبنى من قبل الخارجين عن القانون لتعاطي المخدرات. فهناك الكثير من الحيل التي قد يلجأ إليها، لذلك فقانون التراث من السهل اختراقه. فهو غير محمي بآليات صارمة مثل قانون حماية الآثار.