فيديو| الأسطى كراوية.. 50 عاما على عرش فن النجارة
كالملك الجالس على كرسي العرش يجلس الأسطى كراوية، كرسجي، في حارة جانبية بسوق السلاح بميدان السيدة عائشة، تسمى حارة حلوات، على كرسي من صنعه هو، داخل “ورشته” الكائنة بمنزل قديم يعود بناءه إلى عام 1938، والتي هي مملكته الخاصة التي يمارس فيها حياته وليس فقط مهنته.
الأسطى كراوية ضمن المشاركين فى ورشة تدريب لتبادل خبرات الحرف اليدوية بين مصر واليابان فى بيت يكن على مدى أسبوع والتي انتهت السبت الماضي بحضور السفير الياباني للدرب الأحمر وإشادته بالتجربة الثرية.
https://www.youtube.com/watch?v=j0V9Xc50iCc&fbclid=IwAR2860f6kpARTgltPw-qGUXoez-sqHG71Rn1bi8YRxfiGsWX9aSfP9IvZtU
ورشة في مدخل المنزل بالدور الأرضي، متوسطة المساحة، تحمل داخلها تفاصيل حكاية عمرها 50 عامًا من النجارة، فهنا ماكينتين آليتين وهناك عدد من الأخشاب التي يستخدمها في العمل، وهذا الجانب يسند على حائطه كراسي ذات أشكال وإطارات مختلفة، وهذا الركن يحتوي على أفرخ اللوحات الورقية، وهذه الأرضية تُفرش بنشارة الخشب النابعة من العمل الدائم طوال اليوم.
نجار أبًا عن جد
بكل فخر وفرحة شديدة يقرر الأسطى محمد أن يمارس مهنته ويشرح لنا بشكل عملي طريقة عمله، يمسك الأسطى محمد القلم الرصاص ويبدأ في رسم شكل الكرسي على فرخ من الورق، وهو يحفظ تصميمه في ذاكرته، ليفرغ بعد ذلك الشكل ويصممه بكل دقة واحتراف ويسلمه فقط على التشطيب، لتعرف من الأسطى محمد عالم كامل يبدأ من ورشته.
“طلعت لقيت والدي يعمل بحرفة النجارة” يبدأ محمد كراوية في الخمسينات من عمره، صاحب ابتسامة طيبة وبشوشة، حديثة عن بدايته مع مهنة النجارة، يقول: والدي كان يعمل نجار ويملك ورشة صغيرة، يجمعنا فيها أنا وأخواتي الـ4 ليعلمنا الحرفة ويشربنا الصنعة، وفي نفس الوقت لم يحرمنا من التعليم بل بالعكس كان مصرًا على حصول كل شخص فينا على شهادة، مشيرًا إلى أنه حاصل على دبلوم تجارة، وأخواته جمعيهم جامعيين وفي مناصب حكومية ولكنهم تنازلوا عنها لحبهم الشديد في النجارة.
“النجارة كانت هوايتي الأولى وعشقي الأخير” يكمل: تعلمت الشغل يدويًا دون الاعتماد مطلقًا على الآلات في التصنيع، فيدي هي التي كانت تتحكم في الشكل وليس العكس، فدائمًا كنت أصنع ما يحلو لي من أشكال وبإنتاج وفير فكل كرسي يخرج من تحت يدي يكون ذا طابع خاص، موضحًا أنه الآن أغلب الطلبات التي تأتي له تكون بصورة من الانترنت وتكون أشكال أمريكاني أو تركي وقليل من يفكر في التصميم المصري.
التصميم المصري
أما عن التصميم المصري فيقول كراوية إن مصر تتميز بأشكال متخلفة عن التصميمات الأخرى، فالمصري يحمل بداخله تراث فرعونى وإسلامي وقبطي يساعده على إنتاج كافة الأشكال التي يدخل بها الأسواق العالمية، بالإضافة إلى أننا كمصريين مبدعين فنحن نمارس المهن كهواية وفن دون إجبار لأنها مصدر رزق ليس أكثر، خاصة أن الحرفي المصري يعلم جيدًا أنه يتقن حرفة نادرة لا توجد بالعالم بأكمله، مضيفًا أن الكنبة السرير هو أول من اختراع تصميمها ليتداولها باقي النجارين بعد ذلك.
التصميمات هادئة كصانعها ومريحة كشخصيته وحديثة الممتع، يصف كراوية مهنته بأنها “الصدقة الجارية عني وفاتحة بيتي وبيت ناس معايا”، فهو يتعامل مع حرفته التي يرى أنها اختلفت كثيرًا عن قديمًا، على أنها عالم كامل في حاجة إلى من يفهمه ويدقق في تفاصيله، قائلًا: صنعي للكرسي قد يأخذ أيام أو شهور في النهاية لأبد أن أعمل بكل دقة وإتقان وإبداع لتصميم شغل يحمل اسمي والذي أسعى إلى نشره بين الزبائن من مجهودي وعملي وليس أي وسيلة أخرى.
النجاريين والنجارة زمان واليوم
يسكت الأسطى قليلًا حزنًا على ما أصاب المهنة من سمعة سيئة وتداخل غير المحترفين بها، ليكمل حديثه ويقول: المهنة اختلفت عن زمان فكانت السمة الأساسية الإتقان، دون تدخل من الآلات والتي قد تكون ساعدت على تطور المهنة وتغير الرؤية في المنتجات إلا أنها افتقدتها الكثير من الجودة، بالإضافة إلى أن ممارسي المهنة أنفسهم فقدوا أهم ما يميز الحرفي وهو الاحترام، فقديمًا كان هناك أدب واحترام في مواعيد العمل والأماكن التي تمارس فيها الحرفة، أما الآن في أي وقت يعمل الحرفي دون مراعاة لما قد يسببه من إزعاج لمن حوله.
الخشب المصري من أجود أنواع الخشب، خاصة الخشب الزان، وهو الذي يستخدمه الأسطى محمد في صناعة منتجاته، مؤكدًا أنه مهما ارتفعت الأسعار والتي هي بالأساس فارق بسيط بينها وبين الأنواع الأخرى إلا أنه فترة صلاحيته عمر كامل لا تتأثر بأي درجة من الاستخدام.
أما عن الحفاظ على المهنة من الاندثار يوضح الأسطى كراوية أنه من الصعب فعل ذلك خاصة أن المكسب السريع يسيطر على فكر الشباب خاصة بعض القاهريين، فكل من يقرر تعلم الحرفة بكل تقنياته هم من المحافظات، والمهنة تحتاج استعداد لتحمل الغربة وقلة الرزق في سبيل تعلم صنعه يستطيع الفرد من خلالها أن تكون مهنته في الحياة، فضلًا عن ارتفاع أسعار الخامات والتي تسببت في هرب الكثير من العاملين بها.
112 تعليقات