«الأرض وكلام الناس»: معلقات خيامية معاصرة لـ«سيف الرشيدي»
في مسرح سينما بوسط البلد، يفتح معرض «الأرض وكلام الناس» أبوابه أمام زواره لاستكشاف مجموعة جديدة من معلقات الخيامية التراثية، بتصميمات معاصرة مستوحاة من أرض مصر وخيراتها الطبيعية. المعرض مستمر حتى 16 يونيو الجاري.
الأرض وكلام الناس
يتميز المعرض بتصميماته الفريدة التي تعكس الثقافة المصرية الغنية وتعبر عن العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة. إذ تم إنتاج هذه المجموعة بالتعاون بين «مركز» و«سيف الرشيدي» ومجموعة من صانعي الخيام في شارع الخيامية الشهير بالقاهرة. وتم استخدام مواد طبيعية مختلفة لإنتاج هذه الأعمال الفنية الفريدة.
تحتوي المعلقات على صور للحيوانات البرية والمستأنسة التي تعيش في أرض مصر. بالإضافة إلى العجائب الطبيعية والمواقع الأثرية المميزة، التي تعكس الثراء الطبيعي والتاريخي للبلاد. كما يتيح المعرض فرصة استكشاف جزء منسي من تراث مصر الطبيعي والثقافي، والتعرف على العلاقة الوثيقة بين الإنسان والبيئة المحيطة به.
عجائب مصر القديمة
«ليس في بلد أعجوبة إلا وفي مصر مثلها أو أعجب منها»، مقولة قرأها سيف الرشيدي في كتاب “بدائع الزهور في وقائع الدهور” للمؤرخ المصري محمد بن إياس (1442 – 1523). الذي قدم وصفا دقيقا للعديد من الأمور النادرة في مصر. العجائب التي وصفها في كتاباته في ذلك الوقت أصبحت الآن من الأمور المُسلم بها.
فالإرث العظيم للمؤرخ المصري – امتدت حياته إلى نهاية العصر المملوكي وبداية العصر العثماني – كان كتاباته التي احتوت على روح وأرض مصر بتفاصيل مثيرة للذكريات. وتم تجسيدها في جدارية بعنوان “عجائب الأخبار في خطط مصر” بناءا على مخطوطة ابن إياس، لتظهر مصر جهة الشمال باتجاه الجنوب.
“النمس” كان من بين هذه العجائب، حيث رأى أنه لولا وجوده في مصر لانتشرت الثعابين في مصر. لكن هذا الوصف لكل شيء في مصر لم يمر على سيف الرشيدي بشكل عابر. كأنه سافر عبر الزمن إلى القرن الخامس عشر محاولا رؤية ما رآه بن إياس في هذه العجائب التي تبدو الآن عادية. “الخوخ الأحمر، سمك الراي اللاسع، البطيخ، الخيار، النمس، السحالي، الفقمات والعصافير”. تساءل الرشيدي: ما الذي رآه ابن إياس في هذه الأشياء كلها جعله يصفها من العجائب؟
والإجابة جاءت عبر تصميم لوحات الخيامية التقليدية لكن بأشكال معاصرة مبتكرة. تعبر كل منها عن عجائب وصفها ابن إياس.لم يكتف بتصميمات عجائب ابن إياس فقط، بل تطورت الفكرة للتعبير عن أمثال مصرية كثيرا ما تتردد.
يقول الرشيدي: “الأمثال المصرية أيضا تحتاج إلى خيال واسع رغم أنها مجاز لكن كيف يصبح الفسيخ شربات. لهذا فكرنا في التعبير عن هذا التراث الثري بصور مرئية”.
أمثال مصرية طريفة
وأوضح الرشيدي أن فكرة المعرض الذي يضم 25 عملا، جاءت من حبه لتراث مصر الغني والمتنوع. خاصةً الحيوانات في الأرض المصرية.
شارك في الإعداد وتنفيذ المعرض «مركز»، وهو مؤسسة معنية بالحرف اليدوية المصرية، دشنته رائدة الأعمال نائلة الشيشيني مع شريكها محمد امين، وكانت البداية عبر تسويق السلع المصنوعة يدويا من سيناء، ثم فكرا في دعم المجتمعات وأصحاب الحرف اليدوية من خلال المؤسسة، وتم التنسيق عبر 14 محافظة في مصر.
من جانبها تقول رائدة الأعمال نائلة الشيشيني لـ”باب مصر”: “الفكرة هي أرض مصر وتراثها خاصة الحيوانات في الأرض المصرية. وبداية الكتاب كانت أن مصر تضم عجائب أكثر من أي بلد آخر، ومن بينها الزمرد والرخام، وحيوانات العرس والنمس. ووصفها بأنه لولاها لكانت مصر والقاهرة ممتلئة بالثعابين ولم تكن صالحة لحياة البشر بها”.
وتابعت : استمر العمل على المعرض لمدة 6 أشهر، بتصميم أعمال فنية تتناول بيئة مصر الطبيعية وخاصة الحيوانات. مؤكدا أنهم عملوا بجهد كبير على كل قطعة في المعرض، حتى يتمكن الزوار من الاستمتاع بتصميماتهم الفريدة. مع إنتاج 10 بدائل لكل تصميم. ومن بين الأمثال الطريفة التي حولها الرشيدي لجداريات خيامية مرئية: “نقول طور يقولوا احلبوه”، “القرد في عين أمه غزال”، “يعمل من الفسيخ شربات”.
إحياء فنون الخيامية
يعمل فريق من الحرفيين الماهرين في شارع الخيامية في القاهرة على إحياء الحرف التراثية العريقة وجعلها تتناسب مع العصر الحديث. يتمثل هذا العمل في إنتاج مجموعة من التصاميم المعاصرة التي تستخدم الخيامية كموضوع رئيسي.
بعد الانتهاء من التصميمات تم التعاون مع ثمانية ورش لحياكة الخيامية في القاهرة. ويضيف الرشيدي: “نحن نعمل على تحويل الحرف التراثية إلى شيء حي ومعاصر. ونحاول أن نربط بين التراث والحاضر عن طريق استخدام التصاميم المعاصرة والألوان الجديدة”.
وتابع: نريد أن نرفع الوعي والاهتمام بالحرف التراثية المصرية الأصيلة. ونحاول العمل مع ورش متعددة لتطوير وتحسين المهارات الحرفية للعمال”.
ويعتبر شارع الخيامية من المعالم السياحية الهامة في القاهرة. حيث يضم العديد من ورش الحرفيين الذين يعملون على تصنيع الخيامية بشكل يدوي. وهي عبارة عن خيوط يتم نسجها بشكل معين لإنتاج جداريات فنية لكن باستخدام القماش و”الإبرة والخيط” فقط.
يحتفي المعرض بفن الخيامية، حيث يعد المعرض الرابع من تصميمات سيف الرشيدي للخيامية، ليستكمل سلسلة بدأها بجمع خيامية من فنانين في مصر، لابتكارها بتصميمات معاصرة. وتأتي هذه المعارض بهدف الحفاظ على التراث المصري وتشجيع المصممين والحرفيين على استخدام هذه الحرفة في إنتاج أعمال فنية معاصرة.
الخيامية.. فن متوارث أب عن جد
وتمتاز حرفة الخيامية بأنها تستخدم في صنع العديد من المنتجات الفنية والديكورات المنزلية. حيث يتم إنتاجها بشكل يدوي باستخدام الخيوط والألوان الطبيعية. وتتطلب هذه الحرفة مهارات متخصصة وخبرة عالية في النسيج والتصميم.
ويقول إكرامي فاروق، خيامي صاحب معرض الفاروق لفنون الخيامية وأحد المشاركين في المعرض: “نحن نعمل على إظهار جمالية هذه الحرفة التراثية وجعلها تتناسب مع العصر الحديث”.
ويتابع لـ”باب مصر”: نفذت 9 قطع في المعرض أنا وشقيقي حسام. ومدة كل قطعة حسب تفاصيل الجدارية نفسها، واشترك فنانين آخرين من سوق الخيامية.
وعن تاريخ عمله في الخيامية، يقول: “منذ حوالي 35 عامًا، بدأتُ في تعلُّم حرفة الخيامية في سن الرابعة عشرة، وكنتُ أعمل في الورشة في أيام الدراسة. وحاليًا، أنا مدير مدرسة وأعود إلى الورشة بعد انتهاء وقت الدوام المدرسي. في الماضي، كانت الحرفة تتمثل في اللوتس والرومي والإسلامية التي كانت معروفة. ولكن الآن تم تطوير هذه الحرفة بعمل نقلة وتصميمات جديدة”.
حرص فاروق على نقل المهنة لأولاده، ويوضح: “تعلَّم أولادي أحمد البالغ من العمر 20 عامًا ويعمل معي وهو يدرس، ومحمد في الصف الثانوي الأول ويعمل معي أيضًا. إذا لم نعلم جيلًا جديدًا هذه الحرفة، فسوف تنقرض مهنتنا”.
وتأتي مشاركته في هذا المعرض بعد فترات عصيبة عانت منها مهنة الخيامية، يقول: “عشنا فترتين سيئتين جدًا، فترة الثورة وفترة كورونا، ولكن الحمد لله بدأنا نستعيد عافيتنا ونعمل في الحرفة التي كانت مهمشة منذ فترة طويلة. الحرفة تتطلب العمل بالإبرة والخيط، وأنا أختار الألوان وأركبها بناءً على خبرتي في هذا المجال، وأحيانًا أختار الألوان قبل بدء العمل”.
وفيما يتعلق بالمعارض بالتعاون مع «مركز» و «سيف الرشيدي»، يقول: “أختار الألوان بناءً على خبرتي في اللون ونائلة تختار الأقمشة والأنواع، والبطانة تكون من الدك القطن والخامات تختلف بحسب العمل المراد صنعه. الخيامية التقليدية مرتبطة بالعزاء، ولكن التصاميم والألوان والخامات الجديدة تجعلها تتماشى مع العصر الحديث، ولذلك فإن بعض الناس لا يتصورون أن هذا العمل ينتمي لحرفة الخيامية”.
اقرأ أيضا:
في ندوة «باب مصر» عن السينما وذاكرة المكان: حلول لإنقاذ الأرشيف الضائع