صور| ابتكرها المصريون القدماء.. “الفأس” يد الفلاح وسلاحه
تصوير: أحمد دريم
“الفاس على الأرض تنزل، الأرض تضحك شقايق، تطرح وتجمع وتغزل ثوبك ومهرك يا عايق”، كلمات تغنت بها المطربة أنغام في مسلسل سر الأرض، إلا أنه مازالت هذه الأغنية محفورة في الأذهان ولها ذكريات مع الكبير والصغير، لارتباط الفأس الزراعية بالفلاح المصري والتي ورثها من أجداده الفراعنة.
و”الفأس” ذكرها الشاعر عبدالرحمن الأبنودي في أحد أبيات شعره قائلًا: “فلاح مصري محنى كأنه نخلة فوق البير تطرح، وطول العمر تبدر خير، وإن كان لوحده يغنى زى الطير، ولو يشوف حد يسكت م الغنا خجلان”.
الفأس أو المعزقة
“الفأس أو المعزقة أو الطورية” تختلف الأسماء في محافظات مصر، وتعتبر أداة الفلاح والعامل الزراعي في كل وقت ما دام يعمل في أرضه الزراعية فهي التي يقوم بها في عملية العزيق، والتسوية، والتروية، ونزع الحشائش الضارة وري الأراضي، فهي تعتبر بمثابة يده الثالثة التي لا يستغني عنها ما دام في أرضه الزراعية، ويحملها فوق دابته وكتفه ويضعها بمنزله وأرضه الزراعية.
تعتبر الفأس أول أداة ابتكرها المصريون القدماء، فهي من أقدم آلات الزراعة وكانت وما تزال أدوات الفلاح المصري، وقد استعان بها في عزق الأرض منذ عصر ما قبل الأسرات وحلت محل اليد عندما أراد حفر الأرض لزراعتها، وقد شاع استعمالها منذ عهد الأسرة الأولى في أعمال الحقول والبناء.
وذكر كتاب “الثروة النباتية عند قدماء المصريين” أن الفأس كانت تتكون من قطعة من الخشب عريضة تارة، استخدمت للعزق، ودقيق طرفها تارة أخرى للحفر ولها مقبض من خشب أيضا مسدود إليها بحبل ثم تسد القطعتان الخشبيتان إلى بعضهما بواسطة حبل من الليف والحلفاء استعانوا به لتثبيت اليد وساعد علي تقليل المسافة بينهما أو توسيعها.
التطور الصناعي
ظهرت الفأس لأول مرة على طوابع الأختام، حيث تحلي سدادات الأواني وقد عثر عليها في بلدة “نقادة”، وكانت تصنع من خشب السنط، أو النبق، أو الأتل، أو الصفصاف، حتى العصور الفرعونية المتأخرة ولا تزال تصنع من الخشب في الواحات حتى اليوم، ولكن منذ عصر الأسرة الخامسة صنعت الفأس من النحاس ثم من الحديد بعد ذلك وأخذت تتطور حتى أخذت أشكالا مختلفة وفي عصر الدولة الحديثة استعمل نوع من الفئوس ذو أطراف متطاولة لتفتيت الأرض.
أصل التسمية
من الطريف أن المصريين القدماء كانوا يسمون الفاس”مر” ومنها اشتقوا كلمة “مرو”، أي المشتغلون بالفأس وهم الفلاحون ويظن أن هذه التسمية لها علاقة بالاسم الذي سميت به مصر وهو “تامري” أي أرض الفلاحة أو الأرض التي تم تهيئتها للزراعة بالفأس، ولعل لفظ “طورية” التي تسمي بها الفأس مشتقة من الاسم المصري القديم “تامري” وحرفت بعد ذلك إلي كلمة “دميرة” التي يستخدمها الفلاحون في موسم الفيضان ولاتزال إحدي قرى الوجه البحري تحمل اسم “دميرة” حتى اليوم.
رمز الفلاح
كانت الفأس رمزا للفلاح منذ القدم، والإله “أوزيريس” كان يمثل وهو قابض بيده فأس وكان القوم يستخدمون صورة الفأس منذ العصور الأولي ضمن الحروف الهيروغليفية، وقد عثر على فئوس متنوعة من الخشب في كثير من القبور وعثر عليها في الدير البحري بطيبة من عصر الدولة الحديثة.
ذكريات
يروي عبدالرحمن المعبدي، فلاح في العقد السادس من عمره، ذكرياته مع الطورية “الفأس” قائلًا: منذ نعومة أظافري ونحن ومعظم أهالي القرى نعمل في الأراضي الزراعية فكنا ونحن صغار لا نستطيع حمل الطورية، وكان هناك أداة صغيرة يطلق عليها “قدومه” وهي نفس الطورية ولكن بشكل صغير كنا نستخدمها في العمل في الأراضي الزراعية من خلال نزع الحشائش وزراعة البذور.
ويضيف المعبدي، أن “الطورية” هي أداة الفلاح فلا يستطيع العمل بدونها فهي يده الزراعية في جميع الأعمال الزراعية، فبها يواجه الصعاب في حفر الأراضي وإزالة الحشائش الضارة، برغم من دخول بعض الآلات الزراعية الحديثة كالمحراث، وكذلك يستخدمها كالدفاع عن النفس إذا تعرض لسوء من الحيوانات الضارة أو مواجهة الأشخاص الذين يتعدون عليه، فهي التي تلازمنا في المنزل والأراضي الزراعية.
الهوامش
- قصيدة “الفلاح” للشاعر عبدالرحمن الأبنودى.
- كتاب “الثروة النباتية عند قدماء المصريين”، للمؤلف وليم نظير، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر عام 1970.