مقابر البجوات.. استراحة قوافل الحجاج عبر طريق درب الأربعين

تقع مقابر البجوات في الشمال الشرقي علي طريق أسيوط- الخارجة، وتبعد عن مدينة الخارجة بحوالي 5 كيلو مترات، والبجوات هي جبانة هيبس العاصمة القديمة لواحة الخارجة، وكانت قوافل الحجاج والتجار قديمًا يتخذونها كمحطة استراحة خلال رحلتهم التي تبلغ مسافتها 380 كيلو عبر طريق درب الأربعين، تاركين علي جدران تلك المقابر رسومات وزخارف توثق رحلاتهم عبر الطريق الطويل.

مقابر البجوات- الصورة مشاع إبداعي من ويكيييديا
مقابر البجوات- الصورة مشاع إبداعي من ويكيييديا

مقابر البجوات

ذكر الدكتور محمد عبدالحميد الحناوي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب بجامعة أسيوط، خلال بحثه “الدور التاريخي لجبانة البجوات علي طريق درب الأربعين” أن التجار العرب من مغاربة وسودانيين بدأوا يستخدمون هذه المدينة المهجورة كمحطة أو استراحة تحميهم من عوادي الطبيعة ليواصلوا رحلتهم بعدها مسجلين نصوصهم علي الجدران الداخلية لتلك المقابر ابتداء من القرن الثالث الهجري.

 استراحة القوافل

أما عن الأشخاص الذين سجلوا المخربشات العربية، والمخربشات الأقدم منها، فهم أولئك المسافرون من القوافل التي كانت تمر بالجبانة في طريق درب الأربعين وجرت العادة أن تستريح هذه القوافل في داخل مقابر تلك الجبانة القديمة علي مرتفع البجوات، واعتادوا الإقامة لأيام عديدة في حجراتها وكأنهم يعيشون داخل مدينة للأحياء وقبل أن يستأنفوا رحلاتهم نحو الشمال أو العكس لكون هذه الواحة محطة مهمة في طريق الحج الذي يربط شمال إفريقيا ببلاد الحجاز، حيث ترك لنا مئات الرحالة بطول الطريق اسمائهم علي جدران مقابر تلك الجبانة.

مقابر البجوات أعلي مرتفع بصحراء الخارجة- الصورة مشاع إبداعي من وكيبيديا
مقابر البجوات أعلي مرتفع بصحراء الخارجة- الصورة مشاع إبداعي من وكيبيديا

 رحلة الحج السنوية

حرص الحجاج عندما سجلوا نصوصهم علي جدران مقابر البجوات علي إبراز كثير من المفاهيم الدينية وأهمها تأكيد بعضهم علي كتابة المذهب الديني الذي ينتمي إليه وفي الغالب المذهب المالكي الذي كان منتشرا بين أهل تلك البلاد، وتسجيل بعض الألقاب الدينية مثل (القاضي والفقيه والشيخ) والحرص الشديد علي تسجيل لقب الحاج أو الحاج بن الحاج، مما يدل علي الاعتزاز الشديد بأداء هذه الفريضة الإسلامية وأن هذه الرحلة الشاقة ترتبط بهدف ديني يفخرون به، ولذلك وجد في كثير من المزارات هذه النصوص (الحج إلي بين الله الحرام، وزيارة قبر النبي عليه السلام، والحج وزيارة محمد عليه السلام، التوبة والزيارة إلي قبر الرسول).

 عبارات وأدعية ومواعظ

من دراسة هذه النصوص أتضح أن الوافدين من أولئك الحجاج جاءوا فرادي وجماعات، وأن بعضهم آثر الصحبة والرفقة خلال هذه الرحلة السنوية الميمونة، وقام مرتادو المكان من الحجاج بتسجيل بعض العبارات من الأدعية الدينية وكلمات التوحيد والمواعظ التي تؤكد علي المفهوم والمعتقد الديني لديهم وطلب العفو والمغفرة من الله والدعاء للوالدين ولجميع المسلمين، وأكدت النصوص علي إثبات التواجد والحضور إلي هذا الموقع الذي اعتادوا عليه للراحة وقضاء بعض الوقت ووصف المكان بـ”المبارك” .

رسومات الحجاج خلال رحلتهم عبر طريق درب الأربعين - مقابر البجوات - ويكيبيديا
رسومات الحجاج خلال رحلتهم عبر طريق درب الأربعين – مقابر البجوات – ويكيبيديا

العصر اليوناني

استخدمت كمقابر منذ العصر الروماني، ثم أعيد استخدامها في العصر البيزنطي وذلك اعتمادا علي طريق بناء قبابها ونمط الدفن بها، أي أنها تؤرخ زمنيا منذ القرن الرابع الميلادي، ومن المعلوم أن العلاقات بين واحة الخارجة ووادي النسل قديمة جدا، وتبدأ مع فجر التاريخ المصري، غير أن ما وصل لأيدي الأثريين من وثائق يرجع تاريخه إلي عهد الأسرة الثانية عشرة الفرعونية (2000- 1787 ق.م)، وكانت الواحات بوجه عام والطرق المؤدية إليها معروفة لدي سكان طيبة وأبيدوس، كما كانت عاصمة الواحة الخارجة علي مقربة من معبد “هيبس”، وأن جبانتها القديمة بنيت فوق التلال التي تواجد بها جبانة البجوات حاليًا والتلال الأخرى القريبة منها.

 دخول المسيحية

استخدم الموقع الحالي للبجوات قبل دخول المسيحية إلي الواحات، واستمر استخدامها للغرض الذي خصصت له حتي القرن السابع الميلادي، ويرى الأثريون أنه من الصعب تحديد التاريخ الذي هجرت فيه الجبانة علي وجه اليقين، ومن الجائز أن ذلك حدث خلال القرن السابع الميلادي، إثر الفتح العربي عندما هجر المصريون أساليب الدفن المصرية القديمة التي تعتمد علي حفظ الجسد سليما.

الحجاج يدونون عبارات ورسومات بمقابر البجوات-ويكيبيديا
الحجاج يدونون عبارات ورسومات بمقابر البجوات-ويكيبيديا
أبواب ومقابر البجوات بالخارجة- ويكيبيديا
أبواب ومقابر البجوات بالخارجة- ويكيبيديا
نقوش وزخارف داخل مقابر الأقباط بالبجوات-ويكيبيديا
نقوش وزخارف داخل مقابر الأقباط بالبجوات-ويكيبيديا

هوامش

بحث “الدور التاريخي لجبانة البجوات علي طريق درب الأربعين” للدكتور محمد عبدالحميد الحناوي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب، جامعة أسيوط، والمنشور في عام 2000 في مجلة كلية الآداب.

اقرأ أيضا

 

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر