صور| “قطار النوبة”.. تقليد ارتبط بعيد الأضحى من الستينيات حتى اليوم

تصوير: نيفين سراج

“قطار النوبة” هو تقليد وتراث بدأ من ستينات القرن الماضي، وارتبطت رحلته بعيد الأضحى المبارك، يتم الإعداد له قبل الرحلة بما يزيد عن شهر وهناك لجنة مختصة من النوبيين مكونة من رئيس لجنة القطار وممثلين الجمعيات النوبية المختلفة في محافظتي القاهرة والإسكندرية، حيث إن هناك أربعة قطارات تخرج من الإسكندرية خلال يومين، و4 قطارات من القاهرة.

شباب من النوبة قبل استقلال القطار
شباب من النوبة قبل استقلال القطار

 قطار النوبة

قبل تحديد موعد الرحلة هناك عدة اجتماعات تُعقد داخل الجمعيات النوبية يرأسها رئيس لجنة القطار في محافظتي الإسكندرية والقاهرة والتي يتم خلالها مجموعة من الترتيبات والإجراءات الخاصة بالقطار.

“باب مصر” تابع أحد هذه الاجتماعات داخل جمعية أبوسنمبل النوبية في محطة الرمل بالإسكندرية، والتي كان يرأسها عبدالفتاح إسحاق، رئيس لجنة قطار النوبة بالإسكندرية، والذي أوضح أن الهدف من هذه الاجتماعات هو تحديد في البداية الخطابات الخاصة بمخاطبة هيئة السكك الحديدية، ثم بعد ذلك السفر إلى القاهرة لانتقاء عربات القطار، ويكون لكل قطار مشرف عام لكل رحلة.

ويتابع: نستمر في عقد هذه الاجتماعات حتى قبل أيام من الرحلة، وفي الاجتماع الأخير نقوم بطباعة الأوراق التي يكتب عليه اسم الجمعيات التي سيسافر أعضائها في الرحلة والتي تختص كل عربة بجمعية.

جانب من الاجتماعات التحضيرية
جانب من الاجتماعات التحضيرية

تاريخ القطار

داخل محطة مصر في الإسكندرية لا صوت يعلو فوق صفير القطارات وضحكات وسعادة النوبين وهم حاملين أمتعتهم استعدادا لاستقلال قطار النوبة الذي سيأخذهم إلى قراهم التي نجد على كل عربة وقد ألصقت عليها ورقة تشير إلى اسم الجمعية النوبية المرتبطه بكل قرية.

وبجوار “قطار النوبة” يحكى فتحي الجاير، باحث ومؤرخ في اللغة النوبية والرئيس السابق لجمعية أبوسنمبل النوبية في الإسكندرية ومن قرية أبوسنمبل، تاريخ قطار النوبة، ويقول إن فكرة القطار بدأت سنة 1964م بعد التهجير الذي حدث للنوبين لبناء السد العالي في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وانتقال معظم النوبيين للعمل في القاهرة والإسكندرية.

فتحي الجاير - باحث في التراث النوبي
فتحي الجاير – باحث في التراث النوبي

تقاليد نوبية

تابع الجاير: “ارتبطت رحلة هذا القطار بعيد الأضحى المبارك، لأنها من المواسم التي اعتاد فيها النوبيين التجمع منها العيد الكبير، وخاصة فصول الصيف تحديدا شهر أكتوبر الذي ارتبط بموسم حصاد البلح الذي كان ينتظره قبل التهجير، وكانت تقام الأفراح بعد موسم جني البلح، وبعد عام 1964 ومع انتقال النوبيين إلى القاهرة والإسكندرية ظلوا يمارسوا نفس العادات والتقاليد التي ارتبطت بشهر أكتوبر وموسم جني البلح، والذهاب إلى النوبة لتزويج العرسان، فكانت هذه السفريات بالنسبة للأفراد مرهقة، وبدأت الجميعات النوبية في القاهرة والإسكندرية بعمل رحلات جماعية للتجميع أعضائها ويحجزوا عربة في القطار المتجه إلى أسوان.

محطة مصر وقطار النوبة
محطة مصر وقطار النوبة

قطار النوبة

يذكر الباحث في التراث واللغة النوبية، أنه في أوائل السبعينات في هذه الفترة بدأ بعض أعضاء مجلس الشعب من بينهم رحمة الله عليها النائبة بثينة الطويل، حيث سعت لدى المسؤولين أن يتم تجهيز قطار مخصوص للنوبيين والجمعيات النوبية عوضا عن التهجير وغربة الأهالي، ومن هنا بدأت فكرة “قطار النوبة” المكون من 14 عربة.

ويستطرد: “بعدها بدأت الأندية النوبية في تمل لجنة مختصة بالقطار بها هيئة مكتب متكاملة رئيس لجنة، أمين اللجنة، أمين صندوق…،خاصة بـ”قطار النوبة”، وبدأت تجتمع برؤساء الأندية وممثلي الهيئات حيث انبثقت فكرة “قطار النوبة” من الأندية المشهرة هنا، وعلى أساسها تحصل على تذاكر مخفضة  لأعضائها وذلك بحكم عضويتها في الشباب الرياضة، ويقومون قبل الرحلات رؤساء الأندية بالاجتماع ويكونوا لجنة القطار التي تعتبر همزة الوصل بين الأندية وهيئة السكة الحديد والمسؤولين في وزارة الموصلات”.

أثناء ركوب القطار
مواطنون أثناء ركوب القطار

الرحلة إلى النوبة غناء وحكي

يستكمل فتحي الجيار قصته حول “قطار النوبة”، عندما تنطلق رحلة القطار في الطريق كنا نغني ونتبادل حكايات السمر وهناك أغنية تراثية كنا نغنيها في الطريق وهي “الست الشلوية”، وهي سيدة في الماضي كانت غير سعيدة بغربة زوجها عنها فكانت تبعث برسائل غنائية له عن طريق شخص ما، وأصبحت هذه الرسائل الغنائية تراث نتغنى بها خلال رحلة القطار لينطلق صوت الجيار لينشد بصوت عزب جزء من هذا التراث الغنائي.

وبعد أن يصل القطار إلى محطة كومبو، يستقبل أهالي كل قرية المسافرين من قريتهم بالاحتفالات والزغاريد والطرق على الدفوف والأغاني، ثم يستقل كل ركاب عربة سيارات أجرة متجهة إلى قريتهم لاستكمال الاحتفال، ويتم تجريش القطار في مخزن في منطقة الشلال في أسوان لحين العودة التي ستكون يوم 17 أغسطس.

يشير باحث التراث واللغة النوبية، إلى رجل كبير السن كان يقف بجواره مرتديا الزي النوبي معرفا إياه “عم أحمد إدريس هو صاحب فكرة الشفرة النوبية في حرب أكتوبر” ناظرا إدريس بابتسامة وترحيب “أنا أيام الرئيس السادات وقت حرب أكتوبر اقترحت فكرة استخدام اللغة النوبية كشفرة التواصل أثناء الحرب وسبب مجيئي اليوم لست مسافرا، بل جئت أودع أصدقاء لي مسافرين في القطار، فهذا تقليد لدينا والقطار يمثل لنا تراث وذكريات من القرن الماضي”.

عم إدريس صاحب فكرة الشفرة النوبية في الحرب
عم إدريس صاحب فكرة الشفرة النوبية في الحرب

وأمام إحدى عربات القطار وضعت ورقة تشير إلى اسم القرية التي ينتمي لها ركاب هذه العربة والتي كتب عليها “بركاب” أمام شباك العربة من الخارج تقف سيدة كبيرة في السن ترتدي عباءة سوداء وغطاء رأس أزرق وقرط في أذنها تقليدي على شكل حلقة ذهبية بابتسامة ووجه صبوح تقول “إحنا طالعين في القطار بتمثل لنا رحلة وأثناءها نقوم بالغناء ومن أشهر الإيقاعات لدينا في قريتنا ما يعرف “بالكف البلدي” والذي يتم بعدد إيقاعات معينة”، وأشارت السيدة إلى زوجها “هو ممكن يقول أحسن مني”.

يخرج عايد العمدة، من المسافرين في القطار من قرية بركاب، رأسه من داخل شباك القطار ويتذكر قائلاً: “القطار هذا نحبه ونفتخر به ويرجع الفضل إلى نائبة مجلس الشعب بثينة الطويل التي ساهمت وساعدت في وجود هذا القطار من أكثر الأغاني التي ننشدها في الرحلة أغاني الفنان محمد منير والأغاني المنبثقة من تراثنا النوبي ومن قريتنا بركاب”.

وانطلق بعد ذلك القطار من محطة مصر بالإسكندرية متجها إلى سيدي جابر، ومنها يستكمل رحلته إلى كومبو، فهو تقليد ينتظره النوبيين كل عام للقاء والاحتفال مع أسرهم في قراهم فترة الاحتفال بعيد الأضحى المبارك.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر